على القسط والعدل والحمد فلا يتعقبها أحد ، ولا سبيل إلى القدح فيها] (١). (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل إصابتهم ، فليس ذلك شغلا لك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) والتبيين للخلق. (وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) فنحاسب الخلق على ما قاموا به ، بما عليهم ، أو ضيعوه ، ونثيبهم أو نعاقبهم.
[٤١] ثم قال ـ متوعدا للمكذبين ـ : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) قيل بإهلاك المكذبين ، واستئصال الظالمين ، وقيل : بفتح بلدان المشركين ، ونقصهم في أموالهم وأبدانهم ، وقيل غير ذلك من الأقوال. والظاهر ـ والله أعلم ـ أن المراد بذلك ، أن أراضي هؤلاء المكذبين جعل الله يفتحها ويجتاحها ، ويحل القوارع بأطرافها ، تنبيها لهم قبل أن يجتاحهم النقص ، ويوقع الله بهم من القوارع ، ما لا يرده أحد ، ولهذا قال : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) ويدخل في هذا ، حكمه الشرعي ، والقدري ، والجزائي. فهذه الأحكام ، التي يحكم الله فيها ، توجد في غاية الحكمة والإتقان ، لا خلل فيها ولا نقص ، بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد ، فلا يتعقبها أحد ولا سبيل إلى القدح فيها ، بخلاف حكم غيره ، فإنه قد يوافق الصواب ، وقد لا يوافقه. (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي : فلا يستعجلوا بالعذاب ، فإن كل ما هو آت ، فهو قريب.
[٤٢] يقول تعالى : (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) برسلهم ، وبالحق الذي جاءت به الرسل ، فلم يغن عنهم مكرهم ، ولم يصنعوا شيئا ، فإنهم يحاربون الله ويبارزونه ، (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي : لا يقدر أحد أن يمكر مكرا إلا بإذنه ، وتحت قضائه وقدره. فإذا كانوا يمكرون بدينه ، فإن مكرهم سيعود عليهم بالخيبة والندم ، فإن الله (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) أي : همومها وإرادتها وأعمالها الظاهرة والباطنة. والمكر لا بد أن يكون من كسبها ، فلا يخفى على الله مكرهم ، فيمتنع أن يمكروا مكرا يضر الحقّ وأهله ، ويفيدهم شيئا ، (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) أي : ألهم أو لرسله؟ ومن المعلوم أن العاقبة للمتقين ، لا للكفر وأهله.
[٤٣] (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) أي : يكذبونك ، ويكذبون ما أرسلت به ، (قُلْ) لهم ـ إن طلبوا على ذلك شهيدا : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) وشهادته بقوله وفعله وإقراره. أما قوله ، فيما أوحاه الله إلى أصدق خلقه ، مما يثبت به رسالته. وأما فعله ، فلأن الله تعالى أيد رسوله ، ونصره نصرا خارجا عن قدرته وقدرة أصحابه وأتباعه ، وهذا شهادة منه له بالفعل والتأييد. وأما إقراره ، فإنه أخبر الرسول عنه ، أنه رسول ، وأنه أمر الناس باتباعه. فمن اتبعه ، فله رضوان الله وكرامته ، ومن لم يتبعه ، فله النار والسخط ، وحل له ماله ودمه ، والله يقره على ذلك ، فلو تقول عليه بعض الأقاويل ، لعاجله بالعقوبة. (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) وهذا شامل لكل علماء أهل الكتاب ، فإنهم يشهد منهم للرسول ، من آمن ، واتبع الحقّ ، فصرح بتلك الشهادة التي عليه. ومن كتم ذلك ، فإخبار الله عنه ، أن عنده شهادة ، أبلغ من خبره ، ولو لم يكن عنده شهادة ، لرد استشهاده بالبرهان ، فسكوته يدل على أن عنده شهادة مكتومة. وإنّما أمر الله باستشهاد أهل الكتاب ، لأنهم أهل هذا الشأن ، وكل أمر ، إنّما يستشهد فيه أهله ، ومن هم أعلم به من غيرهم ، بخلاف من هو أجنبي عنه ، كالأميين ، من مشركي العرب وغيرهم ، فلا فائدة في استشهادهم ، لعدم خبرتهم ومعرفتهم. والله أعلم. ثمّ تفسير سورة الرعد ، والحمد لله رب العالمين.
__________________
(١) سقط من المطبوعة التي بين أيدينا ، وهو موافق للسياق.