الأخرى ، حتى يكونوا منقادين لكل معصية. (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) أي : أصدهم كلهم عن الصراط المستقيم ، (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠) أي : الّذين أخلصتهم واجتبيتهم ، لإخلاصهم وإيمانهم ، وتوكلهم. (قالَ) الله تعالى : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) أي : معتدل موصل إليّ ، وإلى دار كرامتي. (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات ، بسبب عبوديتهم لربهم ، وانقيادهم لأوامره ، أعانهم الله وعصمهم من الشيطان. (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ) فرضي بولايتك وطاعتك ، بدلا من طاعة الرحمن ، (مِنَ الْغاوِينَ) والغوي : ضد الراشد ، فهو : الذي عرف الحقّ وتركه ، والضال : الذي تركه من غير علم منه به.
[٤٣ ـ ٤٥] (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) (٤٣) أي :
إبليس وجنوده ، (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) كل باب أسفل من الآخر ، (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ) أي : من أتباع إبليس (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) بحسب أعمالهم ، قال تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) (٩٥). ولما ذكر تعالى ما أعد لأعدائه ، أتباع إبليس ، من النكال والعذاب الشديد ، ذكر ما أعد لأوليائه من الفضل العظيم ، والنعيم المقيم فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) إلى (هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ). يقول تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الّذين اتقوا طاعة الشيطان ، وما يدعوهم إليه ، من جميع الذنوب والعصيان (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) قد احتوت على جميع الأشجار ، وأينعت فيها جميع الثمار اللذيذة ، في جميع الأوقات.
[٤٦ ـ ٤٨] ويقال لهم حال دخولها : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (٤٦) من الموت ، والنوم والنصب ، واللغوب ، وانقطاع شيء من النعيم ، الذي هم فيه أو نقصانه ، ومن المرض ، والحزن ، والهم ، وسائر المكدرات ، (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) فتبقى قلوبهم سالمة ، من كل غل وحسد ، متصافية متحابة (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ). دل ذلك على تزاورهم ، واجتماعهم ، وحسن أدبهم فيما بينهم ، في كون كل منهم مقابلا للآخر ، لا مستدبرا له ، متكئين على تلك السرر المزينة ، بالفرش واللؤلؤ ، وأنواع الجواهر. (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ) لا ظاهر ولا باطن ، وذلك لأن الله ينشئهم نشأة وحياة كاملة ، لا تقبل شيئا من الآفات ، (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) على سائر الأوقات.
[٤٩] ولما ذكر ما يوجب الرغبة والرهبة ، من مفعولات الله ، من الجنة ، والنار ، ذكر ما يوجب ذلك من أوصافه تعالى فقال : (نَبِّئْ عِبادِي) أي : أخبرهم خبرا جازما ، مؤيدا بالأدلة ، (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته.
[٥٠] سعوا بالأسباب الموصلة لهم إلى رحمته ، وأقلعوا عن الذنوب ، وتابوا منها ، لينالوا مغفرته. ومع هذا ، فلا ينبغي أن يتمادى بهم الرجاء إلى حال الأمن والإدلال ، فنبئهم (أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٥٠) أي : لا عذاب في الحقيقة ، إلا عذاب الله ، الذي لا يقدر قدره ، ولا يبلغ كنهه ، نعوذ به من عذابه ، فإنهم إذا عرفوا أنه (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) (٢٦) حذروا ، وبعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب ، فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائما ، بين الخوف والرجاء ، والرغبة والرهبة ، فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته ، وجوده وإحسانه ، أحدث له ذلك