قدرته ورحمته ، (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) أي : لا قدرة لكم على خزنه وادخاره ، ولكن الله يخزنه لكم ، ويسلكه ينابيع في الأرض ، رحمة بكم ، وإحسانا إليكم.
[٢٣ ـ ٢٥] أي : هو وحده ، لا شريك له ، الذي يحيي الخلق من العدم ، بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا ويميتهم لآجالهم ، التي قدرها (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) كقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (٤٠) ، وليس ذلك بعزيز ، ولا ممتنع على الله ، فإنه تعالى يعلم المستقدمين من الخلق والمستأخرين منهم ، ويعلم ما تنقص الأرض منهم ، وما تفرق من أجزائهم ، وهو الذي ، قدرته لا يعجزها معجز ، فيعيد عباده خلقا جديدا ، ويحشرهم إليه. (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها ، ويجازي كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
[٢٦] يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليهالسلام ، وما جرى من عدوه إبليس ، وفي ضمن ذلك ، التحذير لنا من شره وفتنته ، فقال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أي آدم عليهالسلام (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) أي : من طين قد يبس ، بعد ما خمر حتى صار له صلصلة وصوت ، كصوت الفخار. والحمأ المسنون ، الطين المتغير لونه وريحه ، من طول مكثه.
[٢٧] (وَالْجَانَ) وهو : أبو الجن أي : إبليس (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) خلق آدم (مِنْ نارِ السَّمُومِ) أي : من النار الشديدة الحرارة.
[٢٨ ـ ٢٩] فلما أراد الله خلق آدم قال للملائكة : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ) جسدا تاما (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) فامتثلوا أمر ربهم.
[٣٠ ـ ٣٣] (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠) ، تأكيد بعد تأكيد ، ليدل على أنه لم يتخلف منهم أحد ، وذلك تعظيما لأمر الله ، وإكراما لآدم ، حيث علم ما لم يعلموا. (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣١) وهذا أول عداوته لآدم وذريته ، (قالَ) الله : (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٣٣) ، فاستكبر على أمر الله ، وأبدى العداوة لآدم وذريته ، وأعجب بعنصره وقال : أنا خير من آدم.
[٣٤ ـ ٣٥] (قالَ) الله ـ معاقبا له على كفره واستكباره ـ (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) ، أي : مطرود ومبعد من كل خير ، (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) أي : الذم ، والعيب ، والبعد عن رحمة الله (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) ، ففيها ، وما أشبهها ، دليل على أنه سيستمر على كفره ، وبعده من الخير.
[٣٦ ـ ٣٨] (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) أي : أمهلني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٣٨) ، وليس إجابة الله لدعائه ، كرامة في حقه ، وإنّما ذلك ، امتحان وابتلاء من الله له وللعباد ، ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه ، ممن ليس كذلك ، ولذلك حذرنا منه ، غاية التحذير ، وشرح لنا ، ما يريده منا.
[٣٩ ـ ٤٢] (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : أزين لهم الدنيا ، وأدعوهم إلى إيثارها على