يعرجون فيه ، ويشاهدونه ، عيانا بأنفسهم ، لقالوا ـ من ظلمهم وعنادهم ، منكرين لهذه الآية : ـ (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) أي : أصابها سكر وغشاوة ، حتى رأينا ما لم نر ، (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) أي : ليس هذا بحقيقة ، بل هذا سحر ، وقوم وصلت بهم الحال إلى هذا الإنكار ، فإنهم لا مطمع فيهم ولا رجاء ، ثمّ ذكر الآيات الدالات على ما جاءت به الرسل من الحقّ فقال : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) إلى (بِرازِقِينَ).
[١٦] يقول تعالى ـ مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه ـ : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) أي : نجوما كالأبراج ، والأعلام العظام يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، (وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) ، فإنه لو لا النجوم ، لما كان للسماء هذا المنظر البهي ، والهيئة العجيبة ، وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأمل فيها ، والنظر في معانيها ، والاستدلال بها ، على باريها.
[١٧] (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) (١٧) إذا استرق السمع ، أتبعته الشهب الثواقب ، فبقيت السماء ، ظاهرها ، مجملا بالنجوم النيرات ، وباطنها ، محروسا ممنوعا ، من الآفات.
[١٨] (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) أي : في بعض الأوقات ، قد يسترق بعض الشياطين السمع ، بخفية واختلاس ، (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) أي : بين منير ، يقتله ، أو يخبله. فربما أدركه الشهاب ، قبل أن يوصلها الشيطان إلى وليه ، فينقطع خبر السماء عن الأرض ، وربما ألقاها إلى وليه ، قبل أن يدركه الشهاب ، فيضمّها ويكذب معها مائة كذبة ، ويستدل بتلك الكلمة التي ، سمعت من السماء.
[١٩] (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) أي : وسعناها سعة ، يتمكن الآدميون والحيوانات كلها ، من الامتداد بأرجائها ، والتناول من أرزاقها ، والسكون في نواحيها. (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أي : جبالا عظاما ، تحفظ الأرض بإذن الله ، أن تميد ، وتثبتها أن تزول ، (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي : نافع متقوم ، يضطر إليه العباد والبلاد ، ما بين نخيل ، وأعناب ، وأصناف الأشجار ، وأنواع النبات ، والمعادن.
[٢٠] (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) من الحرث ، ومن الماشية ، ومن أنواع المكاسب والحرف. (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) أي : أنعمنا عليكم بعبيد وإماء ، وأنعام ، لنفعكم ، ومصالحكم ، وليس عليكم رزقها ، بل خولكم الله إياها ، وتكفل بأرزاقها.
[٢١] أي : جميع الأرزاق وأصناف الأقدار ، لا يملكها أحد إلا الله ، فخزائنها بيده ، يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، بحسب حكمته ورحمته الواسعة ، (وَما نُنَزِّلُهُ) أي : المقدر من كل شيء ، من مطر وغيره ، (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) فلا يزيد على ما قدره الله ، ولا ينقص منه.
[٢٢] أي : وسخرنا الرياح ، رياح الرحمة ، تلقح السحاب ، كما يلقح الذكر الأنثى ، فينشأ عن ذلك ، الماء ، بإذن الله ، فيسقيه الله العباد ، ومواشيهم ، وأرضهم ، ويبقى في الأرض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم ، ما هو مقتضى