الآخرة. (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) أن ما هم عليه باطل ، وأن أعمالهم ذهبت خسرانا عليهم ، ولا يغتروا بإمهال الله تعالى ، فإن هذه سنته في الأمم.
[٤] (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) كانت مستحقة للعذاب (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) مقدر لإهلاكها.
[٥] (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) (٥) وإلا ، فالذنوب ، لا بد من وقوع أثرها ، وإن تأخر.
[٦ ـ ٨] أي : وقال المكذبون لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، استهزاء وسخرية : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) على زعمك (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) إذ تظن أنا سنتبعك ، ونترك ما وجدنا عليه آباءنا ، لمجرد قولك. (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) يشهدون لك بصحة ما جئت به (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فلما لم تأت بالملائكة ، فلست بصادق. وهذا من أعظم الظلم والجهل. أما الظلم ، فظاهر ، فإن هذا تجرؤ على الله وتعنت بتعيين الآيات ، التي لم يخترها ، وحصل المقصود والبرهان بدونها ، من الآيات الكثيرة ، الدالة على صحة ما جاء به ، وأما الجهل ، فإنهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم ، فليس في إنزال الملائكة ، خير لهم ، بل لا ينزل الله الملائكة إلا بالحق الذي لا إمهال على من لم يتبعه وينقد له. (وَما كانُوا إِذاً) أي : حين تنزل الملائكة ، إن لم يؤمنوا ، ولن يؤمنوا (مُنْظَرِينَ) أي :
بممهلين ، فصار طلبهم لإنزال الملائكة ، تعجيلا لأنفسهم بالهلاك والدمار ، فإن الإيمان ليس في أيديهم ، وإنّما هو بيد الله ، (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).
[٩] ويكفيهم من الآيات ، إن كانوا صادقين ، هذا القرآن العظيم ولهذا قال هنا : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) أي : القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء ، من المسائل والدلائل الواضحة ، وفيه يتذكر من أراد التذكر ، (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أي : في حال إنزاله ، وبعد إنزاله ، ففي حال إنزاله حافظون له ، من استراق كل شيطان رجيم. وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله ، واستودعه في قلوب أمته ، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها ، والزيادة والنقص ، ومعانيه ، من التبديل ، فلا يحرف محرف معنى من معانيه ، إلا وقيض الله له من يبين الحقّ المبين ، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين ، ومن حفظه : أن الله يحفظ أهله من أعدائهم ، ولا يسلط عدوا يجتاحهم.
[١٠ ـ ١٣] يقول تعالى لنبيه إذ كذبه المشركون : لم يزل هذا دأب الأمم الخالية والقرون الماضية : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) (١٠) ، أي : فرقهم وجماعتهم ، رسلا. (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ) يدعوهم إلى الحقّ والهدى (إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) أي : ندخل التكذيب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي : الّذين وصفهم الظلم والبهت ، عاقبناهم لما تشابهت قلوبهم بالكفر والتكذيب ، وتشابهت معاملتهم لأنبيائهم ، ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الإيمان ، ولهذا قال : (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) (١٣) أي : عادة الله فيهم ، بإهلاك من لم يؤمن بآيات الله.
[١٤ ـ ١٥] أي : ولو جاءتهم كل آية عظيمة ، لم يؤمنوا وكابروا ، (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ) فصاروا