[١٢٤] يقول تعالى : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) أي : فرضا (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) حين ضلوا عن يوم الجمعة ، وهم اليهود ، فصار اختلافهم سببا لأن يجب عليهم في السبت احترامه وتعظيمه ، وإلا فالفضيلة الحقيقية ليوم الجمعة ، الذي هدى الله هذه الأمة إليه. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فيبين لهم المحق من المبطل ، والمستحق للثواب ، ممن استحق العذاب.
[١٢٥] أي : ليكن دعاؤك للخلق ، مسلمهم وكافرهم ، إلى سبيل ربك المستقيم ، المشتمل على العلم النافع ، والعمل الصالح. (بِالْحِكْمَةِ) أي : كل أحد على حسب حاله وفهمه ، وقبوله وانقياده. ومن الحكمة ، الدعوة بالعلم ، لا بالجهل ، والبدأة بالأهم فالأهم ، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم ، وبما يكون قبوله أتم ، وبالرفق واللين. فإن انقاد بالحكمة ، وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة ، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب. إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها ، والنواهي من المضار وتعدادها. وإما بذكر إكرام من قام بدين الله ، وإهانة من لم يقم به. وإما بذكر ما أعد الله للطائعين ، من الثواب العاجل والآجل ، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل. فإن كان المدعو ، يرى أن ما هو عليه حق ، أو كان داعيه إلى الباطل ، فيجادل بالتي هي أحسن ، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا. من ذلك ، الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها ، فإنه أقرب إلى حصول المقصود ، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة ، تذهب بمقصودها ، ولا تحصل الفائدة منها ، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها. وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي : أعلم بالسبب ، الذي أداه إلى الضلال ، ويعلم أعماله المترتبة على ضلالته ، وسيجازيه عليها. (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) علم أنهم يصلحون للهداية ، فهداهم ، ثم منّ عليهم فاجتباهم.
[١٢٦] يقول تعالى ـ مبيحا للعدل ، ونادبا للفضل والإحسان ـ (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) من أساء إليكم بالقول والفعل (فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) من غير زيادة منكم ، على ما أجراه معكم. (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) عن المعاقبة ، وعفوتم عن جرمهم (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) من الاستيفاء ، وما عند الله ، خير لكم ، وأحسن عاقبة كما قال تعالى : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ، ثم أمر رسوله بالصبر على دعوة الخلق إلى الله ، والاستعانة بالله على ذلك ، وعدم الاتكال على النفس فقال :
[١٢٧] (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) هو الذي يعينك عليه ويثبتك. (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) إذا دعوتهم ، فلم تر منهم قبولا لدعوتك ، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئا. (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ) أي شدة وحرج (مِمَّا يَمْكُرُونَ) فإن مكرهم عائد إليهم ، وأنت من المتقين المحسنين.
[١٢٨] والله مع المتقين المحسنين ، بعونه ، وتوفيقه ، وتسديده ، وهم الّذين اتقوا الكفر والمعاصي ، وأحسنوا في عبادة الله ، بأن عبدوا الله ، كأنهم يرونه ، فإن لم يكونوا يرونه ، فإنه يراهم. والإحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من