كان موته على غير ذكاة مشروعة. ويستثنى منه ، ميتة الجراد والسمك. (وَالدَّمَ) المسفوح ، وأما ما يبقى في العروق واللحم فلا يضر. (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) لقذارته وخبثه ، وذلك شامل للحمه وشحمه ، وجميع أجزائه. (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) كالذي يذبح للأصنام والقبور ونحوها ، لأنه مقصود به الشرك. (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى شيء من المحرمات ـ بأن حملته الضرورة ، وخاف إن لم يأكل أن يهلك ـ فلا جناح عليه إذا كان (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ). أي : إذا لم يرد أكل المحرم ، وهو غير مضطر ، ولا متعد الحلال إلى الحرام ، أو متجاوز لما زاد على قدر الضرورة. فهذا الذي حرمه الله من المباحات.
[١١٦ ـ ١١٨] (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) أي : لا تحرموا وتحللوا من تلقاء أنفسكم ، كذبا ، وافتراء على الله وتقوّلا عليه. (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) لا في الدنيا ، ولا في الآخرة ، ولا بد أن يظهر الله خزيهم ، وإن تمتعوا في الدنيا ، فإنه (مَتاعٌ قَلِيلٌ) ومصيرهم إلى النار (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). فالله تعالى ما حرّم علينا إلا الخبيثات ، تفضلا منه ، وصيانة عن كل مستقذر. وأما الذين هادوا فحرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بسبب ظلمهم عقوبة لهم ، كما قصه في سورة الأنعام في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ).
[١١٩] وهذا حضّ منه لعباده على التوبة ، ودعوة لهم إلى الإنابة ، فأخبر أن من عمل سوءا بجهالة ، فعاقبة ما تجنى عليه ، ولو كان متعمدا للذنب ، فإنه لا بد أن ينقص ما في قلبه من العلم ، وقت مقارفة الذنب. فإذا تاب وأصلح ، بأن ترك الذنب وندم عليه وأصلح أعماله ، فإن الله يغفر له ويرحمه ، ويتقبل توبته ، ويعيده إلى حالته الأولى ، أو أعلى منها.
[١٢٠] يخبر تعالى عما فضل به خليله عليه الصلاة والسلام ، وخصه به من الفضائل العالية والمناقب الكاملة فقال : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) أي : إماما ، جامعا لخصال الخير ، هاديا مهتديا (قانِتاً لِلَّهِ) أي : مديما لطاعة ربه ، مخلصا له الدين. (حَنِيفاً) مقبلا على الله ، بالمحبة ، والإنابة ، والعبودية ، معرضا عمن سواه. (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في قوله وعمله ، وجميع أحواله ، لأنه إمام الموحدين الحنفاء.
[١٢١] (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) أي : آتاه الله في الدنيا حسنة ، وأنعم عليه بنعم ظاهرة وباطنة ، فقام بشكرها.
فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن (اجْتَباهُ) ربه ، واختصه بخلته ، وجعله من صفوة خلقه ، وخيار عباده المقربين. (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) في علمه وعمله ، فعلم بالحق ، وآثره على غيره.
[١٢٢ ـ ١٢٣] (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) رزقا واسعا ، وزوجة حسناء ، وذرية صالحين ، وأخلاقا مرضية. (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) الذين لهم المنازل العالية ، والقرب العظيم من الله تعالى. ومن أعظم فضائله ، أن الله أوحى لسيد الخلق وأكملهم ، أن يتبع ملّة إبراهيم ، ويقتدي به ، هو وأمته.