وذلك أنها أتتهم ، فردوها ، وعرضت عليهم ، فلم يقبلوها.
[١٠٩] (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٠٩) الذين خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم يوم القيامة ، وفاتهم النعيم المقيم ، وحصلوا على العذاب الأليم. وهذا بخلاف من أكره على الكفر ، وأجبر عليه ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، راغب فيه فإنه لا حرج عليه ولا إثم ، ويجوز له النطق بكلمة الكفر ، عند الإكراه عليها. ودل ذلك ، على أن كلام المكره على الطلاق ، أو العتاق ، أو البيع ، أو الشراء ، أو سائر العقود ، أنه لا عبرة به ، ولا يترتب عليه حكم شرعي ، لأنه إذا لم يعاقب على كلمة الكفر ، إذا أكره عليها ، فغيرها من باب أولى وأحرى.
[١١٠] أي : ثم إن ربك الذي ربى عباده المخلصين بلطفه وإحسانه لغفور رحيم ، لمن هاجر في سبيله ، وخلى دياره وأمواله ، طالبا لمرضاة الله ، وفتن على دينه ، ليرجع إلى الكفر ، فثبت على الإيمان ، وتخلص ما معه من اليقين. ثم جاهد أعداء الله ، ليدخلهم في دين الله ، بلسانه ، ويده ، وصبر على هذه العبادات الشاقة ، على أكثر الناس. فهذه أكبر الأسباب ، التي ينال بها أعظم العطايا ، وأفضل المواهب ، وهي مغفرة الله للذنوب ، صغارها ، وكبارها ، المتضمن ذلك زوال كل أمر مكروه. ورحمته العظيمة التي بها صلحت أحوالهم واستقامت أمور دينهم ودنياهم. فلهم الرحمة من الله في يوم القيامة.
[١١١] (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) كلّ يقول نفسي ، لا يهمه سوى نفسه. ففي ذلك اليوم ، يفتقر العبد إلى حصول مثقال ذرة من الخير. (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) من خير وشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) فلا يزاد في سيئاتهم ، ولا ينقص من حسناتهم. (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٤).
[١١٢ ـ ١١٣] وهذه القرية هي : مكة المشرفة ، التي كانت آمنة مطمئنة ، لا يهاج فيها أحد ، وتحترمها الجاهلية الجهلاء حتى إن أحدهم ، يجد فيها قاتل أبيه وأخيه ، فلا يهيجه مع شدة الحمية فيهم ، والنعرة العربية فحصل لها في مكة ، من الأمن التام ، ما لم يحصل في سواها وكذلك الرزق الواسع. كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر ، لكن يسر الله لها الرزق ، يأتيها من كل مكان. فجاءهم رسول منهم ، يعرفون أمانته وصدقه ، يدعوهم إلى أكمل الأمور ، وينهاهم عن الأمور السيئة ، فكذبوه ، وكفروا بنعمة الله عليهم ، فأذاقهم الله ، ضد ما كانوا فيه ، وألبسهم لباس الجوع ، الذي هو ضد الرغد ، والخوف ، الذي هو ضد الأمن ، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم ، وعدم شكرهم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
[١١٤] يأمر تعالى عباده بأكل ما رزقهم الله من الحيوانات ، والحبوب ، والثمار ، وغيرها. (حَلالاً طَيِّباً) أي : حالة كونها متصفة بهذين الوصفين بحيث لا تكون مما حرم الله ، أو أثرا من غصب ونحوه. فتمتعوا بما خلق الله لكم ، من غير إسراف ، ولا تعدّ. (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) بالاعتراف بها ، بالقلب ، والثناء على الله بها ، وصرفها في طاعة الله. (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) أي : إن كنتم مخلصين له العبادة ، فلا تشكروا إلا إياه ، ولا تنسوا المنعم.
[١١٥] (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ) الأشياء المضرة ، تنزيها لكم. ومن ذلك : (الْمَيْتَةَ) ويدخل في ذلك كل ما