الْمُهْتَدِ) أي : لا سبيل إلى نيل الهداية : إلا من الله ، فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين. (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) أي : لا تجد من يتولاه ويدبره ، على ما فيه صلاحه ، ولا يرشده إلى الخير والفلاح ، لأن الله قد حكم عليه بالضلال ، ولا راد لحكمه.
[١٨] (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) أي : تحسبهم أيها الناظر إليهم كأنهم أيقاظ ، والحال أنهم نيام. قال المفسرون : وذلك لأن أعينهم منفتحة ، لئلا تفسد ، فالناظر إليهم ، يحسبهم أيقاظا ، وهم رقود. (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) وهذا أيضا من حفظه لأبدانهم ، لأن الأرض من طبيعتها ، أكل الأجسام المتصلة بها ، فكان من قدر الله ، أن قلّبهم على جنوبهم ، يمينا وشمالا ، بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم ، والله تعالى ، قادر على حفظهم من الأرض ، من غير تقليب ، ولكنه تعالى ، حكيم ، أراد أن تجري سنته في الكون ، ويربط الأسباب بمسبباتها. (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) أي : الكلب الذي كان مع أصحاب الكهف ، أصابه ما أصابهم من النوم وقت حراسته ، فكان باسطا ذراعيه بالوصيد ، أي : الباب ، أو فنائه ، هذا حفظهم من الأرض. وأما حفظهم من الآدميين ، فأخبر أنه حماهم بالرعب ، الذي نشره الله عليهم ، فلو اطلع عليهم أحد ، لامتلأ قلبه رعبا ، وولى منهم فرارا ، وهذا الذي أوجب أن يبقوا كل هذه المدة الطويلة ، وهم لم يعثر عليهم أحد ، مع قربهم من المدينة جدا. والدليل على قربهم ، أنهم لما استيقظوا ، أرسلوا أحدهم ، يشتري لهم طعاما من المدينة ، وبقوا في انتظاره ، فدل ذلك على شدة قربهم منها.
[١٩ ـ ٢٠] يقول تعالى : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) من نومهم الطويل ، (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) ، أي : ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة ، من مدة لبثهم. (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا مبني على ظن القائل ، وكأنهم وقع عندهم اشتباه. في طول مدتهم ، فلهذا (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ). فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء ، جملة وتفصيلا. ولعل الله تعالى ـ بعد ذلك ـ أطلعهم على مدة لبثهم ، لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم ، وأخبر أنهم تساءلوا ، وتكلموا بمبلغ ما عندهم ، وصار آخر أمرهم ، الاشتباه. فلابد أن يكون قد أخبرهم يقينا ، علمنا ذلك من حكمته في بعثهم ، وأنه لا يفعل ذلك عبثا. ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها ، وسعى لذلك ما أمكنه ، فإن الله يوضح له ذلك ، وبما ذكر فيما بعده من قوله. (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها). فلو لا أنه حصل العلم بحالهم ، لم يكونوا دليلا على ما ذكر ، ثم إنهم لما تساءلوا بينهم ، وجرى منهم ما أخبر الله به ، أرسلوا أحدهم بورقهم ، أي : بالدراهم ، التي كانت معهم ، ليشتري لهم طعاما يأكلونه ، من المدينة ، التي خرجوا منها ، وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه ، أي : أطيبه وألذه ، وأن يتلطف في ذهابه وشرائه ، وإيابه ، وأن يختفي في ذلك ، ويخفي حال إخوانه ، ولا يشعرن بهم أحدا. وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليهم ، وظهورهم عليهم ، أنهم بين أمرين ، إما الرجم بالحجارة ، فيقتلونهم أشنع قتلة ، لحنقهم عليهم وعلى دينهم ، وإما أن يفتنوهم عن دينهم ، ويردوهم في ملتهم. وفي هذه الحال ، لا يفلحون أبدا ، بل