هُدىً).
[١٤] (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : صبّرناهم وثبّتناهم ، وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة ، وهذا من لطفه تعالى بهم وبره ، أن وفقهم للإيمان والهدى ، والصبر والثبات ، والطمأنينة. (إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : الذي خلقنا ورزقنا ، ودبرنا وربانا ، هو خالق السموات والأرض ، المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة ، لا تلك الأوثان والأصنام ، التي لا تخلق ولا ترزق ، ولا تملك نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، فاستدلوا بتوحيد الربوبية ، على توحيد الإلهية ، ولهذا قالوا : (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) أي : من سائر المخلوقات (لَقَدْ قُلْنا إِذاً) أي : إن دعونا معه آلهة ، بعد ما علمنا أنه الرب ، الإله الذي لا تجوز ، ولا تنبغي العبادة إلا له (شَطَطاً) أي : ميلا عظيما عن الحق ، وطريقا بعيدة عن الصواب ، فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، والتزام ذلك ، وبيان أنه الحق ، وما سواه باطل ، وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم ، وزيادة الهدى من الله لهم.
[١٥] لما ذكروا ما منّ الله به عليهم من الإيمان والهدى والتقوى ، التفتوا إلى ما كان عليه قومهم ، من اتخاذ الآلهة من دون الله ، فمقتوهم ، وبينوا أنهم ليسوا على يقين من أمرهم ، بل هم في غاية الجهل والضلال فقالوا : (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) أي : بحجة وبرهان ، على ما هم عليه من الباطل ، ولا يستطيعون سبيلا إلى ذلك ، إنما ذلك ، افتراء منهم على الله ، وكذب عليه ، وهذا أعظم الظلم ، ولهذا قال : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً).
[١٦] أي : قال بعضهم لبعض ، إذ حصل لكم اعتزال قومكم في أجسامكم وأديانكم ، فلم يبق إلا النجاء من شرهم ، والتسبب بالأسباب المفضية لذلك لأنه لا سبيل لهم إلى قتالهم ، ولا إلى بقائهم بين أظهرهم ، وهم على غير دينهم. (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) أي : انضموا إليه واختفوا فيه (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً). وفيما تقدم ، أخبر أنهم دعوه بقولهم : (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) فجمعوا بين التبرّي من حولهم وقوتهم ، والالتجاء إلى الله ، في صلاح أمرهم ، ودعائه بذلك ، وبين الثقة بالله أنه سيفعل ذلك ، لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته ، وهيأ لهم من أمرهم مرفقا ، فحفظ أديانهم وأبدانهم ، وجعلهم من آياته على خلقه ، ونشر لهم من الثناء الحسن ، ما هو من رحمته بهم ، ويسر لهم كل سبب ، حتى المحل الذي ناموا فيه ، كان على غاية ما يمكن من الصيانة ، ولهذا قال : (وَتَرَى الشَّمْسَ) إلى قوله : (مِنْهُمْ رُعْباً).
[١٧] أي : حفظهم الله من الشمس ، فيسر لهم غارا إذا طلعت الشمس ، تميل عنه يمينا ، وعند غروبها ، تميل عنه شمالا ، فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها. (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي : من الكهف أي : مكان متسع ، وذلك ليطرقهم الهواء ، والنسيم ، ويزول عنهم الوخم ، والتأذي بالمكان الضيق ، خصوصا مع طول المكث ، وذلك من آيات الله ، الدالة على قدرته ورحمته ، وإجابة دعائهم وهدايتهم ، حتى في هذه الأمور ، ولهذا قال : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ