على نقصه واحتياجه ، وهو الغني الحميد. والولد أيضا ، من جنس والده ، والله تعالى ، لا شبيه له ، ولا مثل ، ولا سميّ.
[٩٣] (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٩٣) أي : ذليلا منقادا ، غير متعاص ولا ممتنع ، الملائكة ، والإنس ، والجن وغيرهم. الجميع مماليك ، متصرف فيهم ليس لهم من الملك شيء ، ولا من التدبير شيء ، فكيف يكون له ولد ، وهذا شأنه وعظمة ملكه؟
[٩٤] (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) (٩٤) أي : لقد أحاط علمه بالخلائق كلهم ، أهل السموات والأرض ، وأحصاهم ، وأحصى أعمالهم ، فلا يضل ولا ينسى ، ولا تخفى عليه خافية.
[٩٥] (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٩٥) أي : لا أولاد ، ولا مال ، ولا أنصار ، ليس معه ، إلا عمله ، فيجازيه الله ، ويوفيه حسابه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر كما قال تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
[٩٦] هذا من نعمه على عباده ، الّذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ، أن يجعل لهم ودا أي : محبة وودادا في قلوب أوليائه ، وأهل السماء والأرض ، وإذا كان لهم من الخيرات ، والدعوات ، والإرشاد ، والقبول ، والإمامة ، ما حصل ، ولهذا ورد في الحديث الصحيح : «إن الله إذا أحب عبدا ، نادى جبريل : إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض». وإنما جعل الله لهم ودا ، لأنهم ودوه ، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه.
[٩٧] يخبر تعالى عن نعمته ، وأنه يسر هذا القرآن الكريم بلسان الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم : يسر ألفاظه ومعانيه ، ليحصل المقصود منه ، والانتفاع به. (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) بالترغيب في المبشر به من الثواب العاجل والآجل ، وذكر الأسباب الموجبة للبشارة. (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) أي : شديدين في باطلهم ، أقوياء في كفرهم ، فتنذرهم.
فتقوم عليهم الحجة ، وتتبين لهم المحجة ، فيهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حيّ عن بينة.
[٩٨] ثم توعدهم بإهلاك المكذبين قبلهم فقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) من قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وغيرهم من المعاندين المكذبين ، لما استمروا في طغيانهم ، أهلكهم الله فليس لهم من باقية. (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) والركز : الصوت الخفي ، أي : لم يبق منهم عين ولا أثر ، بل بقيت أخبارهم عبرة للمعتبرين ، وأسمارهم ، عظة للمتعظين.
تم تفسير سورة مريم ، ولله الحمد والشكر.