شيء ، ولا يملكون لأنفسهم ، نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا.
[٧] (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ) الكلام الخفي (وَأَخْفى) من السر ، الذي في القلب ، ولم ينطق به ، أو السر : ما خطر على القلب (وَأَخْفى) : ما لم يخطر ، يعلم تعالى أنه يخطر في وقته ، وعلى صفته. المعنى : أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء ، دقيقها ، وجليلها ، خفيها وظاهرها ، فسواء جهرت بقولك أو أسررته ، فالكل سواء ، بالنسبة لعلمه تعالى.
[٨] فلما قرر كماله المطلق ، بعموم خلقه ، وعموم أمره ونهيه ، وعموم رحمته ، وسعة عظمته ، وعلوه على عرشه ، وعموم ملكه ، وعموم علمه ، نتج من ذلك ، أنه المستحق للعبادة ، وأن عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع ، والعقل ، والفطرة. وعبادة غيره باطلة ، فقال : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا معبود بحق ، ولا مألوه بالحب والذل ، والخوف والرجاء ، والمحبة والإنابة والدعاء ، إلا هو. (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أي : له الأسماء الكثيرة الكاملة الحسنى ، من حسنها ، أنها كلها ، أسماء دالة على المدح ، فليس فيها ، اسم لا يدل على المدح والحمد ، ومن حسنها ، أنها ليست أعلاما محضة ، وإنما هي أسماء وأوصاف. ومن حسنها ، أنها دالة على الصفات الكاملة ، وأن له من كل صفة ، أكملها ، وأعمها ، وأجلها ، ومن حسنها ، أنه أمر العباد أن يدعوه بها ، لأنها وسيلة مقربة إليه ، يحبها ، ويحب من يحبها ، ويحب من يحفظها ، ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها).
[٩] يقول تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم على وجه الاستفهام التقريري والتعظيم لهذه القصة والتفخيم لها : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) (٩) في حاله التي هي مبدأ سعادته ، ومنشأ نبوته ، أنه رأى نارا من بعيد ، وكان قد ضل الطريق ، وأصابه البرد ، ولم يكن عنده ما يتدفأ به في سفره.
[١٠] (فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ) أي : أبصرت (ناراً) وكان ذلك في جانب الطور الأيمن. (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) تصطلون به (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً). أي : من يهديني الطريق. وكان مطلبه ، النور الحسي والهداية الحسية ، فوجد ثمّ النور المعنوي ، نور الوحي ، الذي تستنير به الأرواح والقلوب ، والهداية الحقيقية ، هداية الصراط المستقيم ، الموصلة إلى جنات النعيم. فحصل له أمر ، لم يكن في حسابه ، ولا خطر بباله.
[١١] (فَلَمَّا أَتاها) أي : النار التي آنسها من بعيد ، وكانت ـ في الحقيقة ـ نورا ، وهي نار تحرق وتشرق ، ويدل على ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم «حجابه النور أو النار لو كشفه ، لأحرقت سبحات وجهه ، ما انتهى إليه بصره» ، فلما وصل إليها نودي منها أي : ناداه الله كما قال : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) (٥٢).
[١٢] (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١٢) أخبره أنه ربه ، وأمره ، أن يستعد ويتهيأ لمناجاته ، ويهتم لذلك ، ويلقي نعليه ، لأنه بالوادي المقدس المطهر المعظم. ولو لم يكن من تقديسه ، إلا أنه اختار لمناجاته ، كليمه موسى ، لكفى. وقد قال كثير من المفسرين : «إن الله أمره أن يلقي نعليه ، لأنهما من جلد حمار» فالله أعلم بذلك.