والإحسان إليه ، دل على عناية من الله له واصطفاء ، وتخصيص تقتضيه رحمة الله وحكمته. (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ) أي : مقاصد (أُخْرى) غير هذين الأمرين.
[١٩ ـ ٢٠] ومن أدب موسى عليهالسلام ، أن الله لما سأله عما في يمينه ، وكان السؤال محتملا عن السؤال عن عينها ، أو منفعتها ـ أجابه بعينها ، ومنفعتها. فقال الله له : (أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) (٢٠) انقلبت بإذن الله ثعبانا عظيما ، فولى موسى هاربا خائفا ، ولم يعقب. وفي وصفها بأنها تسعى ، إزالة لوهم يمكن وجوده ، وهو أن يظن أنها تخييل ، لا حقيقة ، فكونها تسعى يزيل هذا الوهم.
[٢١] فقال الله لموسى : (خُذْها وَلا تَخَفْ) أي : ليس عليك منها بأس. (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) أي : هيئتها وصفتها ، إذ كانت عصا ، فامتثل موسى أمر الله ، إيمانا به ، وتسليما ، فأخذها ، فعادت عصاه التي كان يعرفها ، هذه آية.
[٢٢] ثم ذكر الآية الأخرى فقال : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) أي : أدخل يدك إلى جيبك ، وضم عليك عضدك ، الذي هو جناح الإنسان (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي : بياضا ساطعا ، من غير عيب ولا برص (آيَةً أُخْرى). قال الله : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ).
[٢٣] (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) (٢٣) أي : فعلنا ما ذكرنا ، من انقلاب العصا حية تسعى ، ومن خروج اليد بيضاء للناظرين ، لأجل أن نريك من آياتنا الكبرى ، الدالة على صحة رسالتك ، وحقيقة ما جئت به ، فيطمئن قلبك ، ويزداد علمك ، وتثق بوعد الله لك ، بالحفظ والنصرة ، ولتكون حجة وبرهانا ، لمن أرسلت إليهم.
[٢٤] لما أوحى الله إلى موسى ، ونبأه ، وأراه الآيات الباهرات ، أرسله إلى فرعون ، ملك مصر فقال : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (٢٤) أي : تمرد وزاد على الحد ، في الكفر والفساد ، والعلو في الأرض ، والقهر للضعفاء ، حتى إنه ادعى الربوبية والألوهية ، قبحه الله ، أي : وطغيانه سبب لهلاكه. ولكن من رحمة الله ، وحكمته ، وعدله ، أنه لا يعذب أحدا ، إلّا بعد قيام الحجة بالرسل ، فحينئذ علم موسى عليهالسلام ، أنه تحمل حملا عظيما ، حيث أرسل إلى هذا الجبار العنيد ، الذي ليس له منازع في مصر من الخلق ، وموسى عليهالسلام ، وحده ، وقد جرى منه ما جرى من القتل ، فامتثل أمر ربه ، وتلقاه بالانشراح والقبول ، وسأله المعونة ، وتيسير الأسباب ، التي هي من تمام الدعوة فقال :
[٢٥] (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) أي : وسعه وأفسحه ، لأتحمل الأذى القولي والفعلي ، ولا يتكدر قلبي بذلك ، ولا يضيق صدري ، فإن الصدر إذا ضاق ، لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ، ودعوتهم. قال الله لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين وسعة الصدر وانشراحه عليهم.
[٢٦] (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (٢٦) أي : سهل عليّ كل أمر أسلكه وكل طريق أقصده في سبيلك ، وهوّن عليّ ما أمامي