الّذين جاؤوهم ، وبطلان ما هم عليه ، ولكن ما كل أحد ينتفع بالآيات ، إنّما ينتفع بها ، أولو النهى ، أي : العقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، والألباب التي تزجر أصحابها عما لا ينبغي.
[١٢٩] هذه تسلية للرسول ، وتصبير له عن المبادرة إلى إهلاك المكذبين ، المعرضين ، وأن كفرهم وتكذيبهم ، سبب صالح ، لحلول العذاب بهم ، ولزومه لهم ، لأن الله جعل العقوبات ، سببا ناشئا عن الذنوب ، ملازما لها. وهؤلاء قد أتوا بالسبب ، ولكن الذي أخره عنهم ، كلمة ربك ، المتضمنة لإمهالهم وتأخيرهم ، وضرب الأجل المسمى ، فالأجل المسمى ونفوذ كلمة الله ، هو الذي أخر عنهم العقوبة إلى إبان وقتها ، ولعلهم يراجعون أمر الله ، فيتوب عليهم ، ويرفع عنهم العقوبة ، إذا لم تحق عليهم الكلمة.
[١٣٠] ولهذا أمر الله رسوله ، بالصبر على أذيتهم بالقول ، وأمره أن يتعوض عن ذلك ، ويستعين عليه ، بالتسبيح بحمد ربه ، في هذه الأوقات الفاضلة ، قبل طلوع الشمس ، وقبل غروبها ، وفي أطراف النهار ، أوله وآخره ، عموم بعد خصوص ، وأوقات الليل وساعاته ، ولعلك إن فعلت ذلك ، ترضى بما يعطيك ربك من الثواب العاجل والآجل ، وليطمئن قلبك ، وتقر عينك بعبادة ربك ، وتتسلى بها عن أذيتهم ، فيخف حينئذ عليك الصبر.
[١٣١] أي : ولا تمد عينيك معجبا ، ولا تكرر النظر مستحسنا ـ إلى أحوال الدنيا والممتعين بها ، من المآكل والمشارب اللذيذة ، والملابس الفاخرة ، والبيوت المزخرفة ، والنساء المجملة. فإن ذلك كله ، زهرة الحياة الدنيا ، تبتهج بها نفوس المغترين ، وتأخذ إعجابا ، بأبصار المعرضين ، ويتمتع بها ـ بقطع النظر عن الآخرة ـ القوم الظالمون. ثمّ تذهب سريعا ، وتمضي جميعا ، وتقتل محبيها وعشاقها ، فيندمون حيث لا تنفع الندامة ، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا يوم القيامة ، وإنّما جعلها الله فتنة واختبارا ، ليعلم من يقف عندها ، ويغتر بها ، ومن هو أحسن عملا كما قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) (٨). (وَرِزْقُ رَبِّكَ) العاجل من العلم والإيمان ، وحقائق الأعمال الصالحة ، والآجل من النعيم المقيم ، والعيش السليم في جوار الرب الرحيم (خَيْرٌ) مما متعنا به أزواجا ، في ذاته وصفاته (وَأَبْقى) لكونه لا ينقطع أكلها دائم وظلها كما قال تعالى : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٧). وفي هذه الآية ، إشارة إلى أن العبد إذا رأى من نفسه ، طموحا إلى زينة الدنيا ، وإقبالا عليها ، أن يذكر ما أمامها من رزق ربه ، وأن يوازن بين هذا وهذا.
[١٣٢] (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) أي : حث أهلك على الصلاة وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء ، أمر بجميع ما لا يتم إلا به ، فيكون أمرا بتعليمهم ، ما يصلح الصلاة ، ويفسدها ، ويكملها. (وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) أي : على الصلاة بإقامتها ، بحدودها ، وأركانها ، وخشوعها ، فإن ذلك ، مشق على النفس ، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك ، والصبر معها دائما ، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به ، كان لما سواها من دينه ، أحفظ وأقوم ، وإذا ضيعها ، كان لما سواها أضيع ، ثمّ ضمن تعالى لرسوله الرزق ، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه