(الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، فلا أعظم إيمانا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية ، كما قال تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها ، فقال تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ). وللمساجد أحكام كثيرة ، يرجع حاصلها إلى مضمون هذه الآيات الكريمة.
[١١٥] أي : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) ، خصّهما بالذكر ، لأنهما محل الآيات العظيمة ، في مطالع الأنوار ومغاربها ، فإذا كان مالكا لها ، كان مالكا لكل الجهات. (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) وجوهكم من الجهات ، إذا كان توليكم إياها بأمره ، إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس ، أو تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها ، فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبلة ، فيتحرى الصلاة إليها ، ثم يتبين له الخطأ ، أو يكون معذورا بصلب أو مرض ونحو ذلك ، فهذه الأمور ، إما أن يكون العبد فيها معذورا أو مأمورا. وبكل حال ، فما استقبل جهة من الجهات ، خارجة عن ملك ربه ، (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) ، فيه إثبات الوجه لله تعالى ، على الوجه اللائق به تعالى ، وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه ، وهو ـ تعالى ـ واسع الفضل والصفات عظيمها ، عليم بسرائركم ونياتكم. فمن سعته وعلمه ، وسع لكم الأمر ، وقبل منكم المأمور ، فله الحمد والشكر.
[١١٦] (وَقالُوا) ، أي : اليهود والنصارى والمشركون ، وكل من قال ذلك : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) ، فنسبوه إلى ما لا يليق بجلاله ، وأساؤوا كل الإساءة ، وظلموا أنفسهم. وهو ـ تعالى ـ صابر على ذلك منهم ، قد حلم عليهم ، وعافاهم ورزقهم مع تنقصهم إياه. (سُبْحانَهُ) أي : تنزه وتقدس عن كل ما وصفه به المشركون والظالمون مما لا يليق بجلاله. فسبحان من له الكمال المطلق ، من جميع الوجوه ، الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه. ومع رده لقولهم ، أقام الحجة والبرهان على تنزيهه عن ذلك ، فقال : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : جميعهم ملكه وعبيده ، يتصرف فيهم تصرف المالك بالمماليك ، وهم قانتون له مسخرون تحت تدبيره ، فإذا كانوا كلهم عبيده ، مفتقرين إليه ، وهو غني عنهم ، فكيف يكون منهم أحد ، يكون له ولدا ، والولد لا بد أن يكون من جنس والده ، لأنه جزء منه. والله تعالى المالك القاهر ، وأنتم المملوكون المقهورون ، وهو الغني وأنتم الفقراء ، فكيف مع هذا ، يكون له ولد؟ هذا من أبطل الباطل وأسمجه. والقنوت نوعان : قنوت عام : وهو قنوت الخلق كلهم ، تحت تدبير الخالق ، وخاص : وهو قنوت العبادة. فالنوع الأول كما في هذه الآية ، والنوع الثاني : كما في قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ).
[١١٧] ثم قال : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : خالقهما على وجه قد أتقنهما وأحسنهما على غير مثال سبق. (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، فلا يستعصى عليه ، ولا يمتنع منه.
[١١٨] (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، أي : قال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم : هل يكلمنا الله ، كما كلم الرسل ،