بسواء ، وتشابهت قلوبهم في الكفر ، فتشابهت أقوالهم وأفعالهم ، وجحدوا منة الله عليهما بالرسالة. (وَقَوْمُهُما) أي : بنو إسرائيل (لَنا عابِدُونَ) أي : معبدون بالأعمال والأشغال الشاقة كما قال تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٤٩) ، فكيف نكون تابعين بعد أن كنا متبوعين؟ وكيف يكون هؤلاء رؤساء علينا؟ ونظير قولهم ، قول قوم نوح : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ). من المعلوم أن هذا ، لا يصلح لدفع الحق ، وأنه تكذيب ومعاندة.
[٤٨] ولهذا قال : (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) (٤٨) في الغرق في البحر ، وبنو إسرائيل ينظرون.
[٤٩] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى) بعد ما أهلك الله فرعون وخلص الشعب الإسرائيلي مع موسى ، وتمكن حينئذ ، من إقامة أمر الله فيهم ، وإظهار شعائره ، وعده الله أن ينزل عليه التوراة ، أربعين ليلة ، ذهب لميقات ربه ، قال الله تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) ولهذا قال هنا : (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أي : بمعرفة تفاصيل الأمر والنهي ، والثواب والعقاب ، ويعرفون ربهم ، بأسمائه وصفاته.
[٥٠] (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) أي : وامتننّا على عيسى ابن مريم ، وجعلناه وأمه ، من آيات الله العجيبة ، حيث حملته ، وولدته ، من غير أب ، وتكلم في المهد صبيا ، وأجرى الله على يديه من الآيات ، ما أجرى. (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) أي : مكان مرتفع ، وهذا ـ والله أعلم ـ وقت وضعها. (ذاتِ قَرارٍ) أي : مستقر وراحة (وَمَعِينٍ) أي : ماء جار ، بدليل قوله : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ) أي : تحت المكان الذي أنت فيه ، لارتفاعه ، (سَرِيًّا) أي : نهرا وهو الماء المعين (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً).
[٥١] هذا أمر منه تعالى لرسله بأكل الطيبات ، التي هي الرزق ، والطيب الحلال ، والشكر لله ، بالعمل الصالح ، الذي به يصلح القلب والبدن ، والدنيا والآخرة. ويخبرهم أنه بما يعملون عليم ، فكل عمل عملوه ، وكل سعي اكتسبوه ، فإن الله يعلمه ، وسيجازيهم عليه ، أتم الجزاء وأفضله. فدل هذا على أن الرسل كلهم ، متفقون على إباحة الطيبات ، من المآكل وتحريم الخبائث منها ، وأنهم متفقون على كل عمل صالح ، وإن تنوعت بعض أجناس المأمورات ، واختلفت بها الشرائع ، فإنها كلها عمل صالح ولكن تتفاوت بتفاوت الأزمنة. ولهذا ، الأعمال الصالحة ، التي هي صلاح في جميع الأزمنة ، قد اتفقت عليها الأنبياء والشرائع ، كالأمر بتوحيد الله ، وإخلاص الدين له ، ومحبته ، وخوفه ، ورجائه ، والبر ، والصدق ، والوفاء بالعهد ، وصلة الأرحام ، وبر الوالدين والإحسان إلى الضعفاء والمساكين ، واليتامى ، والحنوّ والإحسان إلى الخلق ، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة ، ولهذا كان أهل العلم ، والكتب السابقة ، والعقل ، حين بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم ، يستدلون على نبوته بأجناس ما يأمر به ، وينهى عنه. كما جرى لهرقل وغيره ، فإنه إذا أمر بما أمر به الأنبياء ، الذين من قبله ، ونهى عما نهوا عنه ، دل على أنه من جنسهم ، بخلاف الكذاب ، فلا بد أن يأمر بالشر ، وينهى عن الخير.
[٥٢] ولهذا قال تعالى للرسل : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) أي : جماعتكم ـ يا معشر الرسل ـ (أُمَّةً واحِدَةً) متفقة على دين واحد ، وربكم واحد. (فَاتَّقُونِ) بامتثال أوامري ، واجتناب زواجري ، وقد أمر الله المؤمنين ، بما أمر به المرسلين ، لأنهم بهم يقتدون ، وخلفهم يسلكون ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فالواجب على كل المنتسبين إلى الأنبياء وغيرهم ، أن يمتثلوا هذا ، ويعملوا به ، ولكن أبى الظالمون الجاحدون ، إلا عصيانا ، ولهذا قال :
[٥٣] (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً) أي : تقطع المنتسبون إلى اتباع الأنبياء (أَمْرَهُمْ) أي : دينهم (بَيْنَهُمْ زُبُراً) أي : قطعا (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ) أي : بما عندهم من العلم والدين. (فَرِحُونَ) يزعمون أنهم المحقون ، وغيرهم على غير الحق ، مع أن المحق منهم ، من كان على طريق الرسل ، من أكل الطيبات ، والعمل الصالح ، وما عداهم ، فإنهم