مبطلون.
[٥٤] (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) أي : في وسط جهلهم بالحق ، ودعواهم : أنهم ، هم المحقون. (حَتَّى حِينٍ) أي : إلى أن ينزل العذاب بهم ، فإنهم لا ينفع فيهم وعظ ، ولا يفيدهم زجر ، فكيف يفيد بمن يزعم أنه على الحق ، ويطمع في دعوة غيره إلى ما هو عليه؟
[٥٥ ـ ٥٦] (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) ، أي : أيظنون أن زيادتنا إياهم بالأموال والأولاد ، دليل على أنهم من أهل الخير والسعادة ، وأن لهم خير الدنيا والآخرة؟ وهذا مقدم لهم ، ليس الأمر كذلك. (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) أنما نملي لهم ، ونمهلهم ، ونمدهم بالنعم ، ليزدادوا إثما ، وليتوفر عقابهم في الآخرة ، وليغتبطوا بما أوتو (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً).
[٥٧] لما ذكر تعالى ، الذين جمعوا بين الإساءة والأمن ، الذين يزعمون أن عطاء الله إياهم في الدنيا ، دليل على خيرهم وفضلهم ، ذكر الذين جمعوا بين الإحسان والخوف فقال : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (٥٧) أي : وجلون ، مشفقة قلوبهم كل ذلك ، من خشية ربهم ، خوفا أن يضع عليهم عدله ، فلا يبقي له حسنة ، وسوء ظن بأنفسهم أن لا يكونوا قد قاموا بحق الله تعالى ، وخوفا على إيمانهم من الزوال ، ومعرفة منهم بربهم ، وما يستحقه من الإجلال والإكرام ، وخوفهم وإشفاقهم يوجب لهم الكف عما يوجب الأمر المخوف من الذنوب ، والتقصير في الواجبات.
[٥٨] (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) (٥٨) أي : إذا تليت عليهم آياته ، زادتهم إيمانا ، ويتفكرون أيضا في الآيات القرآنية ، ويتدبرونها ، فيبين لهم من معاني القرآن وجلالته واتفاقه ، وعدم اختلافه ، وتناقضه ، وما يدعو إليه من معرفة الله ، وخوفه ، ورجائه وأحوال الجزاء ، فيحدث لهم بذلك ، من تفاصيل الإيمان ، ما لا يعبر عنه اللسان. ويتفكرون أيضا في الآيات الأفقية ، كما في قوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠) إلى آخر الآيات.
[٥٩] (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) (٥٩) أي : لا شركا جليا ، كاتخاذ غير الله معبودا ، يدعونه ، ويرجونه ، ولا شركا خفيا كالرياء ونحوه ، بل هم مخلصون لله ، في أقوالهم ، وأعمالهم ، وسائر أحوالهم.
[٦٠] (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) أي : يعطون من أنفسهم ، مما أمروا به ، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه ، من صلاة ، وزكاة ، وحج ، وصدقة ، وغير ذلك. (وَ) مع هذا (قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أي : خائفة (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ). أي : خائفة عند عرض أعمالها عليه ، والوقوف بين يديه ، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله ، لعلمهم بربهم ، وما يستحقه من أصناف العبادات.
[٦١] (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي : في ميدان التسارع في أفعال الخير ، همهم ما يقربهم إلى الله ، وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه ، فكل خير سمعوا به ، أو سنحت لهم الفرصة ، انتهزوه وبادروه. قد نظروا إلى أولياء الله وأصفيائه ، أمامهم ، ويمنة ، ويسرة ، يسارعون في كل خير ، وينافسون في الزلفى عند ربهم ، فنافسوهم. ولما