كان المسابق لغيره المسارع ، قد يسبق لجده وتشميره ، وقد لا يسبق لتقصيره ، أخبر تعالى أن هؤلاء من القسم السابقين فقال : (وَهُمْ لَها) أي : للخيرات (سابِقُونَ) قد بلغوا ذروتها ، وتباروا ، هم والرعيل الأول ، ومع هذا ، قد سبقت لهم من الله ، سابقة السعادة ، أنهم سابقون.
[٦٢] ولما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات ، وسبقهم إليها ، ربما وهم واهم ، أن المطلوب منهم ومن غيرهم ، أمر غير مقدور ، أو متعسر ، قال تعالى : (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي : بقدر ما تسعه ، ويفضل من قوتها عنه ، ليس مما يستوعب قوتها ، رحمة منه وحكمة ، لتيسير طريق الوصول إليه ، ولتعمر جادة السالكين في كل وقت إليه. (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) وهو الكتاب الأول ، الذي فيه كل شيء ، وهو يطابق كل واقع يكون ، فلذلك كان حقا. (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي : لا ينقص من إحسانهم ، ولا يزداد في عقوبتهم وعصيانهم.
[٦٣] يخبر تعالى أن هؤلاء المكذبين ، في غمرة من هذا ، أي : وسط غمرة من الجهل والظلم ، والغفلة والإعراض ، تمنعهم من الوصول إلى هذا القرآن ، فلا يهتدون به ، ولا يصل إلى قلوبهم منه شيء. (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) ، فلما كانت قلوبهم في غمرة منه ، عملوا بحسب هذا الحال ، من الأعمال الكفرية ، والمعاندة للشرع ، ما هو موجب لعقابهم. (وَ) لكن (لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ) هذه الأعمال (هُمْ لَها عامِلُونَ) ، أي : فلا يستغربوا عدم وقوع العذاب فيهم ، فإن الله يمهلهم ، ليعملوا هذه الأعمال ، التي بقيت عليهم ، مما كتب عليهم ، فإذا عملوها ، واستوفوها انتقلوا بشر حالة ، إلى غضب الله وعقابه.
[٦٤] (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) أي : متنعميهم ، الذين ما اعتادوا إلا الترف ، والرفاهية ، والنعيم ، ولم تحصل لهم المكاره ، فإذا أخذناهم (بِالْعَذابِ) ووجدوا مسّه (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) يصرخون ، ويتوجعون ، لأنه أصابهم أمر ، خالف ما هم عليه.
[٦٥] ويستغيثون ، فيقال لهم : (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) (٦٥) ، وإذا لم تأتهم النصرة من الله ، وانقطع عنهم الغوث ، من جانبه ، لم يستطيعوا نصر أنفسهم ، ولم ينصرهم أحد.
[٦٦] فكأنه قيل : ما السبب الذي أوصلهم إلى هذه الحال؟ قال : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) لتؤمنوا بها وتقبلوا عليها ، فلم تفعلوا ذلك ، بل كنتم (عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أي : راجعين القهقرى إلى الخلف ، وذلك لأن باتباعهم القرآن ، يتقدمون ، وبالإعراض عنه ، يستأخرون وينزلون إلى أسفل سافلين.
[٦٧ ـ ٦٨] (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) (٦٧) قال المفسرون معناه : مستكبرين به ، الضمير يعود إلى البيت ، المعهود عند المخاطبين ، أو الحرم ، أي : متكبرين على الناس بسببه ، تقولون : نحن أهل الحرم ، فنحن أفضل من غيرنا ، وأعلى (سامِراً) أي : جماعة يتحدثون بالليل حول البيت (تَهْجُرُونَ) أي : تقولون الكلام الهجر ، الذي هو القبيح في هذا القرآن. فالمكذبون كانت طريقتهم في القرآن ، الإعراض عنه ، ويوصي بعضهم بعضا بذلك (وَقالَ