[١٠٧] (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) (١٠٧) وهم كاذبون في وعدهم هذا ، فإنهم كما قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) ، ولم يبق الله لهم حجة ، بل قطع أعذارهم ، وغرّهم في الدنيا ، ما يتذكر فيه من تذكر ، ويرتدع فيه المجرم ،
[١٠٨] فقال الله جوابا لسؤالهم ، (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) وهذا القول ـ نسأله تعالى العافية ـ أعظم قول على الإطلاق يسمعه المجرمون في التخييب ، والتوبيخ ، والذل ، والخسار ، والتأييس من كلّ خير ، والبشرى بكل شر. وهذا الكلام والغضب من الرب الرحيم ، أشد عليهم وأبلغ في نكايتهم من عذاب الجحيم.
[١٠٩] ثمّ ذكر الحال التي أوصلتهم إلى العذاب ، وقطعت عنهم الرحمة فقال : (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (١٠٩) فجمعوا بين الإيمان المقتضي لأعماله الصالحة ، والدعاء لربهم بالمغفرة والرحمة ، والتوسل إليه بربوبيته ، ومنته عليهم بالإيمان ، والإخبار بسعة رحمته ، وعموم إحسانه. وفي ضمنه ، ما يدل على خضوعهم ، وخشوعهم ، وانكسارهم لربهم ، وخوفهم ورجائهم.
[١١٠] فهؤلاء سادات الناس وفضلاؤهم (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ) أيها الكفرة الأنذال ناقصو العقول والأحلام (سِخْرِيًّا) تهزؤون بهم ، وتحتقرونهم ، حتى اشتغلتم بذكر السفه. (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) وهذا الذي أوجب لهم نسيان الذكر ، اشتغالهم بالاستهزاء بهم ، كما أن نسيانهم للذكر ، يحثهم على الاستهزاء. فكل من الأمرين يمد الآخر ، فهل فوق هذه الجرأة جرأة؟!
[١١١] (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) على طاعتي ، وعلى أذاكم ، حتى وصلوا إلي. (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) بالنعيم المقيم ، والنجاة من الجحيم ، كما قال في الآية الأخرى : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) (٣٤) الآيات.
[١١٢ ـ ١١٣] (قالَ) لهم على وجه اللوم ، وأنهم سفهاء الأحلام ، حيث اكتسبوا في هذه المدة اليسيرة ، كل شر أوصلهم إلى غضبه وعقوبته ، ولم يكتسبوا ، ما اكتسبه المؤمنون من الخير ، الذي يوصلهم إلى السعادة الدائمة ، ورضوان ربهم. (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، كلامهم هذا ، مبنيّ على استقصارهم جدا ، لمدة مكثهم في الدنيا وأفاد ذلك ، لكنه لا يفيد مقداره ، ولا يعينه ، فلهذا قالوا : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي : الضابطين لعدده.
[١١٤] وأما هم ، ففي شغل شاغل ، وعذاب مذهل عن معرفة عدده ، فقال لهم : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) سواء عينتم عدده ، أم لا (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
[١١٥] أي : (أَفَحَسِبْتُمْ) أيها الخلق (أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) أي : سدى وباطلا ، تأكلون وتشربون ، وتمرحون ، وتتمتعون بلذات الدنيا ، ونترككم ، لا نأمركم ، ولا ننهاكم ، ولا نثيبكم ، ولا نعاقبكم؟ ولهذا قال : (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) لا يخطر هذا ببالكم.
[١١٦] (فَتَعالَى اللهُ) أي : تعاظم ، وارتفع عن هذا الظن الباطل ، الذي يرجع إلى القدح في حكمته. (الْمَلِكُ