[١٠١] يخبر تعالى عن هول يوم القيامة ، وما في ذلك ، من المزعجات والمقلقات ، وأنه إذا نفخ في الصور ، نفخة البعث ، فحشر الناس أجمعون ، لميقات يوم معلوم ، أنه يصيبهم من الهول ، ما ينسيهم أنسابهم ، التي هي أقوى الأسباب ، فغير الأنساب ، من باب أولى ، وأنه لا يسأل أحد أحدا ، عن حاله ، لاشتغاله بنفسه ، فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها؟ أو يشقى شقاوة لا سعادة بعدها؟ قال تعالى : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) (١٣) (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧).
[١٠٢] وفي القيامة مواضع ، يشتد كربها ، ويعظم وقعها ، كالميزان الذي يميز به أعمال العبد ، وينظر فيه بالعدل ، ما له ، وما عليه ، وتبين فيه مثاقيل الذر ، من الخير والشر. (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بأن رجحت حسناته على سيئاته (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) لنجاتهم من النار ، واستحقاقهم الجنة ، وفوزهم بالثناء الجميل.
[١٠٣] (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بأن رجحت سيئاته على حسناته ، وأحاطت بها خطيئاته (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) كل خسارة ، غير هذه الخسارة ، فإنها ـ بالنسبة إليها ـ سهلة. ولكن هذه خسارة صعبة ، لا يجبر مصابها ، ولا يستدرك فائتها. خسارة أبدية ، وشقاوة سرمدية ، قد خسر نفسه الشريفة ، التي يتمكن بها من السعادة الأبدية ففوّتها هذا النعيم المقيم ، في جوار الرب الكريم. (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) لا يخرجون منها أبد الآبدين ، وهذا الوعيد ، إنّما هو كما ذكرنا ، لمن أحاطت خطيئاته بحسناته ، ولا يكون ذلك ، إلّا كافرا ، فعلى هذا ، لا يحاسب محاسبة من توزن حسناته وسيئاته ، فإنهم لا حسنات لهم ، ولكن تعدّ أعمالهم ، وتحصى ، فيقفون عليها ، ويقررون بها ، ويخزون بها ، وأما من معه أصل الإيمان ، ولكن عظمت سيئاته ، فرجحت على حسناته ، فإنه وإن دخل النار ، لا يخلد فيها ، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
[١٠٤] ثمّ ذكر تعالى ، سوء مصير الكافرين فقال : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) أي : تغشاهم من جميع جوانبهم ، حتى تصيب أعضاءهم الشريفة ، ويتقطع لهبها عن وجوههم. (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) قد عبست وجوههم ، وقلصت شفاههم ، من شدة ما هم فيه ، وعظيم ما يلقونه.
[١٠٥] فيقال لهم ـ توبيخا ولوما ـ : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) تدعون بها ، لتؤمنوا ، وتعرض عليكم لتنظروا ، (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) ظلما منكم ، وعنادا ، وهي آيات بينات ، دالات على الحقّ والباطل ، مبينات للمحق والمبطل.
[١٠٦] فحينئذ أقروا بظلمهم ، حيث لا ينفع الإقرار و (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) أي : غلبت علينا الشقاوة الناشئة عن الظلم والإعراض عن الحقّ ، والإقبال على ما يضر ، وترك ما ينفع. (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) في عملهم ، وإن كانوا يدرون أنهم ظالمون ، أي : فعلنا في الدنيا ، فعل التائه ، الضال السفيه ، كما قالوا في الآية الأخرى. (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (١٠).