بل يقال : «ما ملكتموه» أو «ما ملكت أيمانكم» لأنهم مالكون له جملة ، لا لمفاتحه فقط. والثاني : أن بيوت المماليك ، غير خارجة عن بيت الإنسان نفسه ، لأن المملوك ، وما ملكه ، لسيده فلا وجه لنفي الحرج عنه. (أَوْ صَدِيقِكُمْ) وهذا الحرج المنفي من الأكل ، من هذه البيوت كل ذلك ، إذا كان بدون إذن ، والحكمة فيه ، معلومة من السياق ، فبيوت هؤلاء المسمين ، قد جرت العادة والعرف ، بالمسامحة في الأكل منها ، لأجل القرابة القريبة ، أو التصرف التام ، أو الصداقة ، فلو قدّر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة والشح في الأكل المذكور ، لم يجز الأكل ، ولم يرتفع الحرج ، نظرا للحكمة والمعنى. وقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) فكل ذلك جائز. أكل أهل البيت الواحد جميعا ، أو أكل كل واحد منهم وحده. وهذا نفي للحرج ، لا نفي للفضيلة ، وإلا ، فالأفضل ، الاجتماع على الطعام. (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً) نكرة في سياق الشرط ، يشمل بيت الإنسان ، وبيت غيره ، سواء كان في البيت ، ساكن أم لا ، فإن دخلها الإنسان (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي : فليسلم بعضكم على بعض ، لأن المسلمين ، كأنهم شخص واحد ، من توادهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم. فالسلام مشروع ، لدخول سائر البيوت ، من غير فرق ، بين بيت وبيت ، والاستئذان تقدم أن فيه تفصيلا في أحكامه ، ثمّ مدح هذا السّلام فقال : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) أي : سلامكم بقولكم : «السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته» أو «السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» إذ تدخلون البيوت. (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : قد شرعها لكم ، وجعلها تحيتكم ، (مُبارَكَةً) لاشتمالها على السلامة من النقص ، وحصول الرحمة ، والبركة ، والنماء ، والزيادة ، (طَيِّبَةً) لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله ، الذي فيه طيب نفس للمحيا ، ومحبة ، وجلب مودة. لما بين لنا هذه الأحكام الجليلة قال : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الدالات على أحكامه الشرعية وحكمها. (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) عنه ، فتفهمونها ، وتعقلونها بقلوبكم ، ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة ، فإن معرفة أحكامه الشرعية ، على وجهها ، يزيد في العقل ، وينمو به اللب ، لكون معانيها ، أجل المعاني ، وآدابها أجل الآداب ، ولأن الجزاء ، من جنس العمل ، فكما استعمل عقله ، للعقل عن ربه ، وللتفكر في آياته ، التي دعاه إليها ، زاده من ذلك. وفي هذه الآيات دليل على قاعدة عامة كلية وهي : أن «العرف والعادة مخصص للألفاظ ، كتخصيص اللفظ للفظ». فإن الأصل ، أن الإنسان ، ممنوع من تناول طعام غيره ، مع أن الله أباح الأكل من بيوت هؤلاء ، للعرف والعادة. فكل مسألة ، تتوقف على الإذن من مالك الشيء ، إذا علم إذنه بالقول ، أو العرف ، جاز الإقدام عليه. وفيها دليل ، على أن الأب ، يجوز له أن يأخذ ويتملك ، من مال ولده ، ما لا يضره ، لأن الله سمى بيته ، بيتا للإنسان. وفيها دليل على أن المتصرف في بيت الإنسان ، كزوجته ، وأخته ونحوهما ، يجوز لهما ، الأكل عادة ، وإطعام السائل المعتاد. وفيها دليل ، على جواز المشاركة في الطعام ، سواء أكانوا مجتمعين ، أو متفرقين ، ولو أفضى ذلك إلى أن يأكل بعضهم أكثر من بعض.
[٦٢] هذا إرشاد من الله ، لعباده المؤمنين ، أنهم إذا كانوا مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ، على أمر جامع ، أي : من ضرورته أو