كالحاجة عند النوم ، وعند البول والغائط ، ونحو ذلك. ومنها : أن المسلمين كانوا معتادين القيلولة وسط النهار ، كما اعتادوا نوم الليل ، لأن الله خاطبهم ، ببيان حالهم الموجودة. ومنها : أن الصغير الذي دون البلوغ ، لا يجوز أن يمكّن من رؤية العورة ، ولا يجوز أن ترى عورته ، لأن الله لم يأمر باستئذانهم ، إلا عن أمر ما يجوز. ومنها : أن المملوك أيضا ، لا يجوز أن يرى عورة سيده ، كما أن سيده ، لا يجوز أن يرى عورته ، كما ذكرنا في الصغير. ومنها أنه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهما ، ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي ، أن يقرن بالحكم ، بيان مأخذه ووجهه ، ولا يلقيه مجردا عن الدليل والتعليل ، لأن الله ـ لما بيّن الحكم المذكور ـ علله بقوله : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ). ومنها : أن الصغير والعبد ، مخاطبان ، كما أن وليهما مخاطب لقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ). ومنها : أن ريق الصبي طاهر ، ولو كان بعد نجاسة ، كالقيء لقوله تعالى : (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) مع قول النبي صلىاللهعليهوسلم ، حين سئل عن الهرة «إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات». ومنها : جواز استخدام الإنسان من تحت يده ، من الأطفال على وجه معتاد ، لا يشق على الطفل لقوله : (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ). ومنها : أن الحكم المذكور المفصل ، إنّما هو لما دون البلوغ ، وأما ما بعد البلوغ ، فليس إلا الاستئذان.
ومنها : أن البلوغ يحصل بالإنزال ، فكل حكم شرعي رتب على البلوغ ، حصل بالإنزال ، وهذا مجمع عليه ، وإنّما الخلاف ، هل يحصل البلوغ بالسن ، أو الإنبات للعانة ، والله أعلم.
[٦٠] (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة (اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) أي : لا يطمعن في النكاح ، ولا يطمع فيهن ، وذلك لكونها عجوزا لا تشتهى ولا تشتهي ، أو دميمة الخلقة ، لا تشتهى ، (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ) أي : حرج وإثم (أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) أي : الثياب الظاهرة ، كالخمار ونحوه ، الذي قال الله فيه للنساء : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ). فهؤلاء ، يجوز لهن ، أن يكشفن وجوههن ، لأمن المحذور منها وعليها ، ولما كان نفي الحرج عنهن ، في وضع الثياب ، ربما توهم منه جواز استعمالها لكل شيء ، دفع هذا الاحتراز بقوله : (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) أي : غير مظهرات للناس ، زينة من تجمل بثياب ظاهرة ، وتستر وجهها ، ومن ضرب الأرض ، ليعلم ما تخفي من زينتها ، لأن مجرد الزينة على الأنثى ، ولو مع تسترها ، ولو كانت لا تشتهى ـ يفتتن فيها ، ويوقع الناظر إليها في الحرج. (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَ). والاستعفاف : طلب العفة ، بفعل الأسباب المقتضية لذلك ، من تزوج وترك لما يخشى منه الفتنة. (وَاللهُ سَمِيعٌ) لجميع الأصوات (عَلِيمٌ) بالنيات والمقاصد ، فليحذرن من كل قول وقصد فاسد وليعلمن أن الله يجازي على ذلك.
[٦١] يخبر تعالى ، عن منّته على عباده ، وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج بل يسّره غاية التيسير فقال : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) ، أي : ليس على هؤلاء جناح ، في ترك الأمور الواجبة ، التي تتوقف على واحد منها. وذلك كالجهاد ونحوه ، مما يتوقف على بصر الأعمى ، أو سلامة الأعرج أو صحة المريض ، ولهذا المعنى العام ، الذي ذكرناه ، أطلق الكلام في ذلك ، ولم يقيد ، كما قيد قوله. (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي : حرج (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أي : بيوت أولادكم ، وهذا موافق للحديث الثابت «أنت ومالك لأبيك» والحديث الآخر «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم». وليس المراد من قوله : (مِنْ بُيُوتِكُمْ) بيت الإنسان نفسه ، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل ، الذي ينزه عنه كلام الله ، ولأنه نفى الحرج عما يظن أو يتوهم فيه الإثم ، من هؤلاء المذكورين ، وأما بيت الإنسان نفسه ، فليس فيه أدنى توهم. (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ) وهؤلاء معروفون. (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) أي : البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة ، أو ولاية ونحو ذلك ، وأما تفسيرها بالمملوك ، فليس بوجيه ، لوجهين : أحدهما : أن المملوك ، لا يقال فيه «ملكت مفاتحه» ،