استخلف الله عليها العباد ، وأعطاهم إياها ، بأن يؤتوها الفقراء وغيرهم ، ممن ذكرهم الله ، لمصرف الزكاة. فهذان أكبر الطاعات وأجلها ، جامعتان لحقه ، وحق خلقه للإخلاص للمعبود ، وللإحسان إلى العبيد ، ثم عطف عليهما الأمر العام ، فقال : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وذلك بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ). (لَعَلَّكُمْ) حين تقومون بذلك (تُرْحَمُونَ) فمن أراد الرحمة ، فهذا طريقها ، ومن رجاها من دون إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وإطاعة الرسول ، فهو متمنّ كاذب ، وقد منته نفسه الأماني الكاذبة.
[٥٧] (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) فلا يغررك ما متّعوا به في الحياة الدنيا ، فإن الله ، وإن أمهلهم فإنه لا يهملهم (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) (٢٤). ولهذا قال هنا : (وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي : بئس المآل ، مآل الكافرين ، مآل الشر والحسرة ، والعقوبة الأبدية.
[٥٨] أمر المؤمنين أن يستأذنهم مماليكهم ، والّذين لم يبلغوا الحلم منهم. قد ذكر الله حكمته وأنه ثلاث عورات للمستأذن عليهم ، وقت نومهم بالليل بعد العشاء ، وعند انتباههم قبل صلاة الفجر ، فهذا ـ في الغالب ـ أن النائم يستعمل للنوم في الليل ، ثوبا غير ثوبه المعتاد ، وأما نوم النهار ، فلو كان في الغالب قليلا ، قد ينام فيه العبد بثيابه المعتادة ، قيده بقوله : (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) أي : للقائلة ، وسط النهار. ففي هذه الأحوال الثلاثة ، يكون المماليك والأولاد الصغار ، كغيرهم ، لا يمكّنون من الدخول إلا بإذن ، وأما ما عدا هذا الأحوال الثلاثة فقال : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ) ، أي : ليسوا كغيرهم : فإنهم يحتاج إليهم دائما ، فيشق الاستئذان منهم في كل وقت ، ولهذا قال : (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) أي : يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم. (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) بيانا مقرونا بحكمته ، ليتأكد ويتقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته. ولهذا قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) له العلم ، المحيط ، بالواجبات ، والمستحبات ، والممكنات ، والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه ، فأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به ، وأعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به ومنه هذه الأحكام ، التي بيّنها وبيّن مآخذها وحسنها.
[٥٩] (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) وهو إنزال المني يقظة أو مناما ، (فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : في سائر الأوقات ، والّذين من قبلهم ، هم الّذين ذكرهم الله بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) الآية. (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) ويوضحها ، ويفصل أحكامها (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). وفي هاتين الآيتين فوائد. منها : أن السيد ، وولي الصغير ، مخاطبان بتعليم عبيدهم ، ومن تحت ولايتهم من الأولاد ، العلم والآداب الشرعية ، لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) الآية ، فلا يمكن ذلك ، إلا بالتعليم والتأديب ، ولقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ). ومنها : الأمر بحفظ العورات ، والاحتياط لذلك من كل وجه ، وأن المحل والمكان ، الذي هو مظنة لرؤية عورة الإنسان فيه ، أنه منهيّ عن الاغتسال فيه ، والاستنجاء ، ونحو ذلك. ومنها : جواز كشف العورة لحاجة ،