[٥٤] وأما الرسول عليه الصلاة والسلام ، فوظيفته ، أن يأمركم وينهاكم ، ولهذا قال : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ) امتثلوا ، كان حظهم وسعادتهم ، وإن (تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) من الرسالة ، وقد أداها. (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) من الطاعة ، وقد بانت حالكم ، وظهرت ، فبان ضلالكم وغيكم واستحقاقكم العذاب. (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) إلى الصراط المستقيم ، قولا وعملا ، فلا سبيل لكم إلى الهداية إلّا بطاعته ، وبدون ذلك ، لا يمكن ، بل هو محال. (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي : تبليغكم البين الذي لا يبقي لأحد ، شكا ولا شبهة ، وقد فعل صلىاللهعليهوسلم ، بلغ البلاغ المبين ، وإنّما الذي يحاسبكم ، ويجازيكم ، هو الله تعالى ، فالرسول ، ليس له من الأمر شيء ، وقد قام بوظيفته.
[٥٥] (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) هذا من وعوده الصادقة ، التي شوهد تأويلها ومخبرها ، فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة ، أن يستخلفهم في الأرض ، فيكونون هم الخلفاء فيها ، المتصرفين في تدبيرها ، وأن يمكّن لهم دينهم ، الذي ارتضى لهم ، وهو دين الإسلام ، الذي فاق الأديان كلها. ارتضاه لهذه الأمة ، لفضلها وشرفها ونعمته عليها ، بأن يتمكنوا من إقامته ، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة ، في أنفسهم وفي غيرهم ، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار ، مغلوبين ذليلين ، وأنه يبدلهم أمنا من بعد خوفهم ، حيث كان الواحد منهم ، لا يتمكن من إظهار دينه ، وما هو عليه إلّا بأذى كثير من الكفار ، وكون جماعة المسلمين قليلين جدا ، بالنسبة إلى غيرهم ، وقد رماهم أهل الأرض ، عن قوس واحدة ، وبغوا لهم الغوائل. فوعدهم الله هذه الأمور ، وقت نزول الآية ، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض ، والتمكين فيها ، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي ، والأمن التام ، بحيث يعبدون الله ، ولا يشركون به شيئا ، ولا يخافون أحدا إلّا الله ، فقام صدر هذه الأمة ، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوق على غيرهم. فمكنهم من البلاد والعباد ، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها ، وحصل الأمن التام ، والتمكين التام ، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة. ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة ، مهما قاموا بالإيمان ، والعمل الصالح فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله ، وإنّما يسلط الله عليهم الكفار والمنافقين ، ويديلهم في بعض الأحيان ، بسبب إخلال المسلمين ، بالإيمان والعمل الصالح. (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) التمكين والسلطنة التامة لكم ، يا معشر المسلمين. (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الّذين خرجوا عن طاعة الله ، وفسدوا ، فلم يصلحوا لصالح ، ولم يكن فيهم أهلية للخير ، لأن الذي يترك الإيمان في حال عزه وقهره ، وعدم وجود الأسباب المانعة منه ، يدل على فساد نيته ، وخبث طويته ، لأنه لا داعي له لترك الدين ، إلّا ذلك. ودلت هذه الآية ، أن الله قد مكن من قبلنا ، واستخلفهم في الأرض ، كما قال موسى لقومه : (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) وقال تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) ، (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ).
[٥٦] يأمر تعالى بإقامة الصلاة ، بأركانها ، وشروطها ، وآدابها ، ظاهرا وباطنا ، وبإيتاء الزكاة من الأموال ، التي