تَأْمُرُونَ) أن نفعل به؟
[٣٦] (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي : أخرهما (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) جامعين للناس.
[٣٧] (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) (٣٧) أي : ابعث في جميع مدنك ، التي هي مقر العلم ، ومعدن السحر ، من يجمع لك كل ساحر ماهر ، عليم في سحره فإن الساحر يقاتل بسحر من جنس سحره. وهذا من لطف الله أن يرى العباد ، بطلان ما موه به فرعون الجاهل ، الضال ، المضل أن ما جاء به موسى سحر ، قيضهم أن جمعوا أهل المهارة بالسحر ، لينعقد المجلس عن حضرة الخلق العظيم ، فيظهر الحقّ على الباطل ، ويقر أهل العلم وأهل الصناعة ، بصحة ما جاء به موسى ، وأنه ليس بسحر. فعمل فرعون برأيهم ، فأرسل في المدائن ، من يجمع السحرة ، واجتهد في ذلك ، وجد.
[٣٨] (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (٣٨) قد واعدهم إياه موسى ، وهو يوم الزينة ، الذي يتفرغون فيه من أشغالهم.
[٣٩] (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) (٣٩) أي : نودي بعموم الناس بالاجتماع في ذلك اليوم الموعود.
[٤٠] (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) (٤٠) أي : قالوا للناس : اجتمعوا لتنظروا غلبة السحرة لموسى ، وأنهم ماهرون في صناعتهم ، فنتبعهم ، ونعظمهم ، ونعرف فضيلة علم السحر ، فلو وفقوا للحق ، لقالوا ، لعلنا نتبع المحق منهم ، ولنعرف الصواب ، فلذلك ما أفاد فيهم ذلك ، إلا قيام الحجة عليهم.
[٤١] (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا) ووصلوا لفرعون قالوا له : (أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) لموسى؟
[٤٢] (قالَ نَعَمْ) لكم أجر ، وثواب (وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) عندي ، وعدهم الأجر والقربة منه ، ليزداد نشاطهم ، ويأتوا بكل مقدورهم ، في معارضة ما جاء به موسى. فلما اجتمعوا للموعد ، هم وموسى ، وأهل مصر ، وعظهم موسى وذكرهم وقال : (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) فتنازعوا وتخاصموا ثمّ شجعهم فرعون ، وشجع بعضهم بعضا.
[٤٣] (قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) (٤٣) أي : ألقوا كل ما في خواطركم إلقاؤه ، ولم يقيدهم بشيء دون شيء ، لجزمه ببطلان ما جاؤوا به من معارضة الحقّ.
[٤٤] (فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) فإذا هي حيات تسعى ، وسحروا بذلك أعين الناس. (وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) فاستعانوا بعزة عبد ضعيف ، عاجز من كل وجه ، إلا أنه قد تجبر ، وحل على صورة ملك وجنود ، فغرتهم تلك الأبهة ، ولم تنفذ بصائرهم إلى حقيقة الأمر ، أو أن هذا قسم منهم بعزة فرعون والمقسم عليه ، أنهم غالبون.
[٤٥] (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ) تبتلع وتأخذ (ما يَأْفِكُونَ) فالتقفت ، جميع ما ألقوا ، من الحبال والعصي ، لأنها إفك ، وكذب ، وزور وذلك كله ، باطل لا يقوم للحق ، ولا يقاومه. فلما رأى السحرة هذه الآية