بني إسرائيل ، وجعلتهم لك بمنزلة العبيد ، وأنا قد أسلمتني من تعبيدك وتسخيرك ، وجعلتها عليّ نعمة. فعند التصور ، يتبين أن الحقيقة ، أنك ظلمت هذا الشعب الفاضل ، وعذبتهم ، وسخرتهم بأعمالك. وأنا ، قد سلمني الله من أذاك ، مع وصول أذاك لقومي ، فما هذه المنّة ، التي تمن بها ، وتدلي بها؟
[٢٣] (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٣) وهذا إنكار منه لربه ، ظلما وعلوا مع تيقن صحة ما دعاه إليه موسى
[٢٤] فقال : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) أي : الذي خلق العالم العلوي والسفلي ، ودبره بأنواع التدبير ، ورباه بأنواع التربية. ومن جملة ذلك ، أنتم أيها الخاطبون ، فكيف تنكرون خالق المخلوقات ، وفاطر الأرض والسموات (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ).
[٢٥] فقال فرعون متجهما ، ومعجبا بقوله : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) ما يقول هذا الرجل.
[٢٦] فقال موسى : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) تعجبتم أم لا ، استكبرتم ، أم أذعنتم.
[٢٧] فقال فرعون معاندا للحق ، قادحا ، بمن جاء به : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) حيث قال خلاف ما نحن عليه ، وخالفنا فيما ذهبنا إليه ، فالعقل عنده وأهل العقل ، من زعموا أنهم لم يخلقوا ، أو أن السموات الأرض ، ما زالتا موجودتين من غير موجد وأنهم ، بأنفسهم ، خلقوا من غير خالق. والعقل عنده ، أن يعبد المخلوق الناقص ، من جميع الوجوه ، والجنون عنده ، أن يثبت الرب الخالق للعالم العلوي والسفلي ، المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة ، ويدعى إلى عبادته. وزين لقومه هذا القول ، وكانوا سفهاء الأحلام ، خفيفي العقول (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٥٤).
[٢٨] فقال موسى عليهالسلام ، مجيبا لإنكار فرعون وتعطيله لرب العالمين : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما) من سائر المخلوقات (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ، فقد أديت لكم من البيان والتبيين ، ما يفهمه كل من له أدنى مسكة من عقل ، فما بالكم تتجاهلون فيما أخاطبكم به؟ وفيه إيماء وتنبيه إلى أن الذي رميتم به موسى من الجنون ، أنه داؤكم فرميتم أزكى الخلق عقلا ، وأكملهم علما ، والحال أنكم ، أنتم المجانين ، حيث ذهبت عقولكم إلى إنكار أظهر الموجودات ، خالق الأرض والسموات وما بينهما ، فإذا جحدتموه ، فأي شيء تثبتون؟ وإذا جهلتموه ، فأي شيء تعلمون؟ وإذا لم تؤمنوا به وبآياته ، فبأي شيء ـ بعد الله وآياته ـ تؤمنون؟ تالله ، إن المجانين الّذين بمنزلة البهائم ، أعقل منكم ، وإن الأنعام السارحة ، أهدى منكم.
[٢٩] فلما خنقت فرعون الحجة ، وعجزت قدرته وبيانه عن المعارضة (قالَ) متوعدا لموسى بسلطانه (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) ، زعم ـ قبحه الله ـ أنه قد طمع في إضلال موسى ، وأن لا يتخذ إلها غيره ، وإلا فقد تقرر أنه ، هو ومن معه ، على بصيرة من أمرهم.
[٣٠] فقال له موسى : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) أي : آية ظاهرة جلية ، على صحة ما جئت به ، من خوارق العادات.
[٣١ ـ ٣٢] (قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ) أي : ذكر الحيات ، (مُبِينٌ) ظاهر لكل أحد ، لا خيال ، ولا تشبيه.
[٣٣] (وَنَزَعَ يَدَهُ) من جيبه (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) أي : له نور عظيم ، لا نقص فيه لمن نظر إليها.
[٣٤] (قالَ) فرعون (لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ) معارضا للحق ، ومن جاء به (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ).
[٣٥] (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) موّه عليهم لعلمه بضعف عقولهم ، أن هذا من جنس ما يأتي به السحرة ، لأنه من المتقرر عندهم ، أن السحرة يأتون من العجائب ، بما لا يقدر عليه الناس ، وخوّفهم أن قصده بهذا السحر ، التوصل إلى إخراجهم من وطنهم ، ليجدوا ويجتهدوا في معاداة من يريد إجلاءهم عن أولادهم وديارهم ، (فَما ذا