تعظيمه وشدة الاهتمام به ، من كونه نزل من الله ، لا من غيره ، مقصودا فيه نفعكم وهدايتكم.
[١٩٣] (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (١٩٣) وهو : جبريل عليهالسلام ، الذي هو أفضل الملائكة وأقواهم ، (الْأَمِينُ) الذي قد أمن أن يزيد فيه أو ينقص.
[١٩٤] (عَلى قَلْبِكَ) يا محمد (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) تهدي به إلى طريق الرشاد ، وتنذر به عن طريق الغي.
[١٩٥] (بِلِسانٍ عَرَبِيٍ) وهو أفضل الألسنة ، بلغة من بعث إليهم ، وباشر دعوتهم أصلا ، اللسان البيّن الواضح. وتأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم ، فإنه أفضل الكتب ، نزل به أفضل الملائكة ، على أفضل الخلق ، على أفضل أمة أخرجت للناس ، بأفضل الألسنة وأفصحها ، وأوسعها ، وهو : اللسان العربي المبين.
[١٩٦] (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (١٩٦) أي : قد بشرت به كتب الأولين وصدقته ، وهو لما نزل ، طبق ما أخبرت به ، صدقها ، بل جاء بالحق ، وصدق المرسلين.
[١٩٧] (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً) على صحته ، وأنه من الله (أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) الّذين قد انتهى إليهم العلم ، وصاروا أعلم الناس ، وهم أهل الصنف. فإن كل شيء يحصل به اشتباه ، يرجع فيه إلى أهل الخبرة والدراية ، فيكون قولهم حجة على غيرهم. كما عرف السحرة الّذين مهروا في علم السحر ، صدق معجزة موسى ، وأنه ليس بسحر. فقول الجاهلين بعد هذا ، لا يؤبه به.
[١٩٨ ـ ١٩٩] (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) (١٩٨) الّذين لا يفقهون لسانهم ، ولا يقدرون على التعبير كما ينبغي (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) (١٩٩) يقولون : ما نفقه ما يقول ، ولا ندري ما يدعو إليه ، فليحمدوا ربهم ، أن جاءهم على لسان أفصح الخلق ، وأقدرهم على التعبير عن المقاصد ، بالعبارات الواضحة ، وأنصحهم. وليبادروا إلى التصديق به ، وتلقّيه بالتسليم والقبول. ولكن تكذيبهم له من غير شبهة ، إن هو إلا محض الكفر والعناد ، وأمر قد توارثته الأمم المكذبة.
[٢٠٠] فلهذا قال : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) (٢٠٠) أي : أدخلنا التكذيب ، ونظمناه في قلوب أهل الإجرام ، كما يدخل السلك في الإبرة ، فتشربته ، وصار وصفا لها.
[٢٠١] وذلك بسبب ظلمهم وجرمهم ، فلذلك (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٢٠١) على تكذيبهم.
[٢٠٢] (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٢٠٢) أي : يأتيهم على حين غفلة ، وعدم إحساس منهم ، ولا استشعار بنزوله ، ليكون أبلغ في عقوبتهم والنكال بهم.
[٢٠٣] (فَيَقُولُوا) إذ ذاك : (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) أي : يطلبون أن ينظروا ويمهلوا ، والحال إنه قد فات الوقت ، وحل بهم العذاب ، الذي لا يرفع عنهم ، ولا يفتّر ساعة.
[٢٠٤] يقول تعالى : (أَفَبِعَذابِنا) وهو العذاب الأليم العظيم ، الذي لا يستهان به ، ولا يحتقر ، (يَسْتَعْجِلُونَ) فما الذي غرهم؟ هل فيهم قوة وطاقة ، للصبر عليه؟ ، أم عندهم قوة يقدرون بها على دفعه ، أو رفعه ، إذا نزل؟ ، أم يعجزوننا ، ويظنون أننا ، لا نقدر على ذلك.
[٢٠٥ ـ ٢٠٦] (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) (٢٠٥) أي : أفرأيت إذا لم نستعجل عليهم ، بإنزال العذاب ، وأمهلناهم عدة سنين ، يتمتعون في الدنيا (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) (٢٠٦) من