[٢٠ ـ ٢١] (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) أي : ركضا على قدميه ، من نصحه لموسى ، وخوفه أن يوقعوا به ، قبل أن يشعر. (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ) أي : يتشاورون فيك (لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) عن المدينة (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ). فامتثل نصحه (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) أن يوقع به القتل ، ودعا الله. (قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فإنه قد تاب من ذنبه وفعله غضبا ، من غير قصد منه للقتل ، فتوعّدهم له ، ظلم منهم وجراءة.
[٢٢] (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) أي : قاصدا بوجهه مدين ، وهو جنوبي فلسطين ، حيث لا ملك فيه لفرعون. (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) أي : وسط الطريق المختصر ، الموصل إليها ، بسهولة ورفق ، فهداه الله سواء السبيل ، فوصل إلى مدين.
[٢٣] (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) مواشيهم ، وكانوا أهل ماشية كثيرة (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أي : دون تلك الأمة (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) غنمهما ، عن حياض الناس ، لعجزهما عن مزاحمة الرجال ، وبخلهم ، وعدم مروءتهم ، السقي لهما. (قالَ) لهما موسى (ما خَطْبُكُما) أي : ما شأنكما بهذه الحالة. (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) أي : قد جرت العادة أنه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم ، فإذا خلا لنا الجو ، سقينا. (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) أي : لا قوة له على السقي ، فليس فينا قوة ، نقتدر بها ، ولا لنا رجال ، يزاحمون الرعاء.
[٢٤] فرقّ لهما موسى عليهالسلام ورحمهما (فَسَقى لَهُما) غير طالب منهما الأجر ، ولا له قصد ، غير وجه الله تعالى. فلما سقى لهما ، وكان ذلك وقت شدة حر ، وسط النهار ، بدليل قوله : (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) مستريحا لتلك الظلال بعد التعب. (فَقالَ) في تلك الحالة ، مسترزقا ربه (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) أي : إني مفتقر للخير ، الذي تسوقه إليّ ، وتيسره لي ، وهذا سؤال منه بحاله ، والسؤال بالحال ، أبلغ من السؤال بلسان المقال. فلم يزل في هذه الحالة ، داعيا ربه متملقا.
[٢٥] وأما المرأتان ، فذهبتا إلى أبيهما ، وأخبرتاه بما جرى. فأرسل أبوهما ، إحداهما إلى موسى ، فجاءته (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ). وهذا يدل على كرم عنصرها ، وخلقها الحسن ، فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة ، وخصوصا في النساء. ويدل على أن موسى عليهالسلام ، لم يكن فيما فعله من السقي ، بمنزلة الأجير والخادم ، الذي لا يستحى منه عادة ، وإنّما هو عزيز النفس ، رأت من حسن خلقه ، ومكارم أخلاقه ، ما أوجب لها الحياء منه. (قالَتْ) له : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) أي : لا لمنّ عليك ، بل أنت الذي ابتدأتنا بالإحسان ، وإنّما قصده أن يكافئك على إحسانك. فأجابها موسى. (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) من ابتداء السبب الموجب لهربه ، إلى أن وصل إليه (قالَ) مسكنا روعه ، جابرا قلبه : (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : ليذهب خوفك وروعك ، فإن الله نجاك منهم ، حيث وصلت إلى هذا المحل ، الذي ليس لهم عليه سلطان.
[٢٦] (قالَتْ إِحْداهُما) أي : إحدى ابنتيه (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَ) أي : اجعله أجيرا عندك ، يرعى الغنم