الجنة ، كما اهتدوا في الدنيا ، ولكن لم يهتدوا ، فلم يهتدوا.
[٦٥] (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (٦٥) ، هل صدقتموهم واتبعتموهم ، أم كذبتموهم وخالفتموهم؟
[٦٦] (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) (٦٦) أي : لم يجدوا عن هذا السؤال جوابا ، ولم يهتدوا إلى الصواب. ومن المعلوم أنه لا ينجي في هذا الموضع إلا التصريح بالجواب الصحيح ، المطابق لأحوالهم ، من أننا أجبناهم بالإيمان ، والانقياد. ولكن لما علموا تكذيبهم لهم وعنادهم لأمرهم ، لم ينطقوا بشيء. ولا يمكن أن يتساءلوا ، ويتراجعوا بينهم ، في ماذا يجيبون به ، ولو كان كذبا.
[٦٧] لما ذكر تعالى سؤال الخلق عن معبودهم ، وعن رسلهم ، ذكر الطريق الذي ينجو به العبد ، من عقاب الله تعالى ، وأنه لا نجاة إلا لمن اتصف بالتوبة عن الشرك والمعاصي ، وآمن بالله فعبده ، وآمن برسله ، فصدقهم ، وعمل صالحا ، متبعا فيه للرسل. (فَعَسى أَنْ يَكُونَ) من جمع هذه الخصال (مِنَ الْمُفْلِحِينَ) الناجين بالمطلوب ، الناجين من المرهوب. فلا سبيل إلى الفلاح بدون هذه الأمور.
[٦٨ ـ ٧٠] هذه الآيات ، فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات ، ونفوذ مشيئته بجميع البريات ، وانفراده باختيار من يختاره ويختصه ، من الأشخاص ، والأوامر والأزمان ، والأماكن. وأن أحدا ليس له من الأمر والاختيار شيء. وأنه تعالى ، منزه عن كلّ ما يشركون به ، من الشريك ، والظهير والعوين ، والولد ، والصاحبة ، ونحو ذلك ، مما أشرك به المشركون. وأنه العالم بما أكنته الصدور ، وما أعلنوه. وأنه وحده ، المعبود المحمود ، في الدنيا والآخرة ، على ما له من صفات الجلال والجمال ، وعلى ما أسداه إلى خلقه من الإحسان والإفضال. وأنه هو الحاكم في الدارين : في الدنيا ، بالحكم القدري ، الذي أثره جميع ما خلق وذرأ ، والحكم الديني ، الذي أثره جميع الشرائع ، والأوامر والنواهي. وفي الآخرة يحكم بحكمه القدري والجزائي ، ولهذا قال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجازي كلا منكم بعمله ، من خير وشر.
[٧١] هذا امتنان من الله على عباده ، يدعوهم به إلى شكره ، والقيام بعبوديته وحقه ، أن جعل لهم من رحمته النهار ليبتغوا من فضل الله ، وينتشروا لطلب أرزاقهم ومعايشهم في ضيائه. والليل ليهدؤوا فيه ويسكنوا ، وتستريح أبدانهم وأنفسهم ، من تعب التصرف في النهار ، فهذا من فضله ورحمته بعباده. فهل أحد يقدر على شيء من ذلك؟ (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ) مواعظ الله وآياته ، سماع فهم وقبول ، وانقياد.
[٧٢] و (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) مواقع العبر ، ومواضع الآيات فتستنير في بصائركم ، وتسلكوا الطريق المستقيم. وقال في الليل : (أَفَلا تَسْمَعُونَ) وفي النهار (أَفَلا تُبْصِرُونَ). لأن سلطان السمع في الليل أبلغ من سلطان البصر ، وعكسه