النهار. وفي هذه الآيات ، تنبيه إلى أن العبد ينبغي له أن يتدبر نعم الله عليه ، ويستبصر فيها ، ويقيسها بحال عدمها. فإنه إذا وازن بين حالة وجودها ، وبين حالة عدمها ، تنبه عقله لموضع المنة. بخلاف من جرى مع العوائد ، ورأى أن هذا أمر لم يزل مستمرا ، ولا يزال. وعمي قلبه عن الثناء على الله ، بنعمه ، ورؤية افتقاره إليه في كلّ وقت. فإن هذا ، لا يحدث له فكرة شكر ، ولا ذكر.
[٧٤] أي : ويوم ينادي الله المشركين به ، العادلين به غيره ، الّذين يزعمون أن له شركاء ، يستحقون أن يعبدوا ، وينفعون ويضرون. فإذا كان يوم القيامة وأراد الله أن يظهر جراءتهم وكذبهم في زعمهم وتكذيبهم لأنفسهم (يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أي : بزعمهم ، لا بنفس الأمر كما قال : (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ).
[٧٥] فإن حضروا ، هم وإياهم ، نزع الله (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم الكاذبة (شَهِيداً) يشهد على ما جرى في الدنيا ، من شركهم واعتقادهم ، وهؤلاء بمنزلة المنتخبين. أي : انتخبنا من رؤساء المكذبين ، من يتصدى للخصومة عنهم ، والمجادلة عن إخوانهم ، وهم على طريق واحد. فإذا برزوا للمحاكمة (فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي : حجتكم ودليلكم ، على صحة شرككم. هل أمرناكم بذلك؟ هل أمرتكم رسلي؟ هل وجدتم ذلك في شيء من كتبي؟ هل فيهم أحد يستحق شيئا من الإلهية؟ هل ينفعونكم ، أو يدفعون عنكم من عذاب الله ، أو يغنون عنكم؟ فليفعلوا ، إذا كان فيهم أهلية ، وليروكم ، إن كان لهم قدرة. (فَعَلِمُوا) حينئذ ، بطلان قولهم وفساده ، و (أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) تعالى. قد توجهت عليهم الخصومة ، وانقطعت حجتهم ، وأفلجت حجة الله. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الكذب ، والإفك ، واضمحل ، وتلاشى ، وعدم. وعلموا أن الله قد عدل فيهم ، حيث لم يضع العقوبة ، إلا بمن استحقها ، واستأهلها.
[٧٦] يخبر تعالى عن حالة قارون ، وما فعل ، وفعل به ونصح ووعظ ، فقال : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) أي : من بني إسرائيل ، الّذين فضّلوا على العالمين ، وفاقوهم في زمانهم ، وامتنّ الله عليهم بما امتنّ به ، فكانت حالهم مناسبة للاستقامة. ولكن قارون هذا ، انحرف عن سبيل قومه (فَبَغى عَلَيْهِمْ) وطغى ، بما أوتيه من الأمور العظيمة المطغية. (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ) أي : كنوز الأموال شيئا كثيرا. (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) والعصبة ، من العشرة إلى التسعة إلى السبعة ، ونحو ذلك. أي : حتى إن مفاتح خزائن أمواله ، تثقل الجماعة القوية عن حملها ، هذه المفاتيح ، فما ظنك بالخزائن؟ (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) ناصحين له محذرين له عن الطغيان : (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) أي : لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة ، وتفتخر بها ، وتلهيك عن الآخرة ، فإن الله لا يحب الفرحين بها ، المنكبين على محبتها.
[٧٧] (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) أي : قد حصل عندك من وسائل الآخرة ، ما ليس عند غيرك من الأموال فابتغ بها ما عند الله ، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات ، وتحصيل اللذات. (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ