لا شريك له ، لكونه الكامل النافع الضار ، المتفرد بالتدبير. (وَاشْكُرُوا لَهُ) وحده ، لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق ، من النعم ، فمنه. وجميع ما اندفع ، ويندفع من النقم عنهم ، فهو الدافع لها. (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجازيكم على ما عملتم ، وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم. فاحذروا القدوم عليه وأنتم على شرككم ، وارغبوا فيما يقربكم إليه ، ويثيبكم ـ عند القدوم ـ عليه.
[١٩] (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يوم القيامة (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ). كما قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ).
[٢٠] (قُلْ) لهم ، إن حصل معهم ريب وشك في الابتداء : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) بأبدانكم وقلوبكم (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) فإنكم ستجدون أمما من الآدميين ، لا تزال توجد شيئا فشيئا ، وتجدون النبات والأشجار ، كيف تحدث ، وقتا بعد وقت ، وتجدون السحاب والرياح ونحوها ، مستمرة في تجددها. بل الخلق دائما في بدء وإعادة. فانظروا إليهم وقت موتتهم الصغرى ـ النوم ـ وقد هجم عليهم الليل بظلامه ، فسكنت منهم الحركات ، وانقطعت منهم الأصوات ، وصاروا في فرشهم ومأواهم كالميتين. ثم إنهم لم يزالوا على ذلك ، طول ليلهم ، حتى تنفلق الأصباح ، فانتبهوا من رقدتهم ، وبعثوا من موتتهم ، قائلين : «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» ولهذا قال : (ثُمَّ اللهُ) بعد الإعادة (يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) وهي النشأة التي لا تقبل موتا ، ولا نوما ، وإنما هو الخلود والدوام ، في إحدى الدارين. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فقدرته تعالى ، لا يعجزها شيء ، وكما قدر بها على ابتداء الخلق ، فقدرته على الإعادة ، من باب أولى وأخرى.
[٢١] (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) أي : هو المنفرد بالحكم الجزائي ، وهو : إثابة الطائعين ، ورحمتهم ، وتعذيب العاصين والتنكيل بهم. (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) أي : ترجعون إلى الدار ، التي بها تجري عليكم أحكام عذابه ورحمته. فاكتسبوا في هذه الدار ، ما هو من أسباب رحمته من الطاعات. وابتعدوا عن أسباب عذابه ، وهي المعاصي.
[٢٢] (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي : يا هؤلاء المكذبين ، المتجرئين على المعاصي ، لا تحسبوا أنه مغفول عنكم ، أو أنكم معجزون لله في الأرض ، ولا في السماء. فلا تغرنكم قدرتكم ، وما زينت لكم أنفسكم ، وخدعتكم ، من النجاة من عذاب الله فلستم بمعجزين الله ، في جميع أقطار العالم. (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يتولاكم ، فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم. (وَلا نَصِيرٍ) ينصركم ، فيدفع عنكم المكاره.
[٢٣] يخبر تعالى ، من هم الذين زال عنهم الخير ، وحصل لهم الشر. وأنهم الذين كفروا به وبرسله ، وبما جاءوهم به ، وكذّبوا بلقاء الله. فليس عندهم ، إلا الدنيا ، فلذلك أقدموا ، على ما أقدموا عليه ، من الشرك والمعاصي ، لأنه ليس في قلوبهم ، ما يخوفهم من عاقبة ذلك ولهذا قال : (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) أي : فلذلك لم يعملوا سببا واحدا ، يحصلون به الرحمة. وإلا ، فلو طمعوا في رحمته ، لعملوا لذلك أعمالا. والإياس من رحمة الله ، من أعظم المحاذير ، وهو نوعان : إياس الكفار منها ، وتركهم كل سبب يقربهم منها. وإياس العصاة ، بسبب كثرة جناياتهم ، أوحشتهم ، فملكت قلوبهم ، فأحدث لها الإياس. (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم مؤجع. وكأن هذه الآيات ، معترضات ، بين كلام إبراهيم لقومه ، وردهم عليه ، والله أعلم بذلك.
[٢٤] أي : فما كان مجاوبة قوم إبراهيم لإبراهيم ، حين دعاهم إلى ربه ، قبول دعوته ، والاهتداء بنصحه ، ورؤية نعمة الله عليهم بإرساله إليهم. وإنما كان مجاوبتهم له ، شر مجاوبة. (قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) أشنع القتلات ، وهم أناس مقتدرون ، لهم السلطان ، فألقوه في النار (فَأَنْجاهُ اللهُ) منها. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فيعلمون صحة ما جاءت به الرسل ، وبرّهم ونصحهم ، وبطلان قول من خالفهم ، وناقضهم وأن المعارضين للرسل ، كأنهم