فعله وباشره ، والمتبوع ؛ لأنه تسبب في فعله ودعا إليه. كما أن الحسنة إذا فعلها التابع ، له أجرها بالمباشرة ، وللداعي أجره بالتسبب. (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) من الشر وتزيينه ، وقولهم «ولنحمل خطاياكم».
[١٤] يخبر تعالى ، عن حكمه وحكمته ، في عقوبات الأمم المكذبة ، وأن الله أرسل عبده ورسوله ، نوحا عليهالسلام ، إلى قومه ، يدعوهم إلى التوحيد ، وإفراد الله بالعبادة ، والنهي عن الأنداد والأصنام. (فَلَبِثَ فِيهِمْ) نبيا داعيا (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) ، وهو لا يني بدعوتهم ، ولا يفتر في نصحهم ، يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا ، فلم يرشدوا ، ولا اهتدوا. بل استمروا على كفرهم وطغيانهم ، حتى دعا عليهم نبيهم نوح ، عليه الصلاة والسلام ، مع شدة صبره ، وحلمه ، واحتماله فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً). (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) أي : الماء الذي نزل من السماء بكثرة ، ونبع من الأرض بشدة (وَهُمْ ظالِمُونَ) مستحقون للعذاب.
[١٥] (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) الذين ركبوا معه ، أهله ومن آمن به. (وَجَعَلْناها) أي : السفينة ، أو قصة نوح (آيَةً لِلْعالَمِينَ) يعتبرون بها ، على أن من كذّب الرسل ، آخر أمره الهلاك ، وأن المؤمنين سيجعل الله لهم من كل همّ فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا. وجعل الله أيضا السفينة ، أي : جنسها آية للعالمين ، يعتبرون بها رحمة ربهم ، الذي قيّض لهم أسبابها ، ويسّر لهم أمرها ، وجعلها تحملهم ، وتحمل متاعهم ، من محل إلى محل ، ومن قطر إلى قطر.
[١٦] يذكر تعالى ، أنه أرسل خليله ، إبراهيم عليهالسلام إلى قومه ، يدعوهم إلى الله. فقال لهم : (اعْبُدُوا اللهَ) أي : وحّدوه ، وأخلصوا له العبادة ، وامتثلوا ما أمركم به. (وَاتَّقُوهُ) أن يغضب عليكم ، فيعذبكم ، وذلك بترك ما يغضبه من المعاصي. (ذلِكُمْ) أي : عبادة الله وتقواه (خَيْرٌ لَكُمْ) من ترك ذلك. وهذا من باب إطلاق «رد فعل التفضيل» بما ليس في الطرف الآخر منه شيء. فإن ترك عبادة الله ، وترك تقواه ، لا خير فيه بوجه ، وإنما كانت عبادة الله وتقواه ، خيرا للناس ، لأنه لا سبيل إلى نيل كرامته ، في الدنيا والآخرة ، إلا بذلك. وكل خير يوجد في الدنيا والآخرة ، فإنه من آثار عبادة الله وتقواه. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ذلك ، فاعلموا الأمور ، وانظروا ، ما هو أولى بالإيثار. فلما أمرهم بعباده الله وتقواه ، نهاهم عن عبادة الأصنام ، وبيّن لهم نقصها ، وعدم استحقاقها للعبودية فقال :
[١٧ ـ ١٨] (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) تنحتونها ، وتخلقونها بأيديكم ، وتخلقون لها أسماء الآلهة ، وتختلقون الكذب بالأمر بعبادتها والتمسك بذلك. (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) في نقصه ، وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته. (لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) فكأنه قيل : قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة ، لا تملك نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، وأن من هذا وصفه ، لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة ، من العبادة والتأله ، والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تؤلهه ، وتسأله حوائجها. فقال ـ حاثا لهم على من يستحق العبادة ـ (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) فإنه هو الميسر له ، المقدر ، المجيب لدعوة من دعاه لمصالح دينه ودنياه. (وَاعْبُدُوهُ) وحده