[٨] أي : وأمرنا الإنسان ، ووصيناه ، بوالديه حسنا ، أي : ببرهما ، والإحسان إليهما ، بالقول والعمل ، وأن يحافظ على ذلك ، ولا يعقهما ، ويسيء إليها ، في قوله وعمله. (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، وليس لأحد علم بصحة الشرك بالله ، وهذا تعظيم لأمر الشرك. (فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فأجازيكم بأعمالكم. فبروا والديكم وقدموا طاعتهما ، إلا على طاعة الله ورسوله ، فإنها مقدمة على كل شيء.
[٩] أي : من آمن بالله ، وعمل صالحا ، فإن الله وعده ، أن يدخله الجنة في جملة عباد الله الصالحين ، من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، كل على حسب درجته ، ومرتبته عند الله. فالإيمان الصحيح ، والعمل الصالح ، عنوان على سعادة صاحبه ، وأنه من أهل الرحمن ، ومن الصالحين من عباد الله.
[١٠] لما ذكر تعالى ، أنه لا بد أن يمتحن من ادّعى الإيمان ، ليظهر الصادق من الكاذب ، بيّن تعالى أن من الناس فريقا ، لا صبر لهم على المحن ، ولا ثبات لهم على بعض الزلازل فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) بضرب ، أو أخذ مال ، أو تعيير ، ليرتد عن دينه ، وليراجع الباطل. (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) أي : يجعلها صادّة له عن الإيمان ، والثبات عليه ، كما أن العذاب صادّ عمّا هو سببه. (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) ، لأنه موافق للهوى ، فهذا الصنف من الناس من الذين قال الله فيهم : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١١). (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) حيث أخبركم بهذا الفريق ، الذي حاله كما وصف لكم ، فتعرفون بذلك ، كمال علمه ، وسعة حكمته.
[١١] (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) (١١) أي : فلذلك قدّر محنا وابتلاء ، ليظهر علمه فيهم ، فيجازيهم بما ظهر منهم ، لا بما يعلمه بمجرده ، لأنهم قد يحتجون على الله ، أنهم لو ابتلوا ، لثبتوا.
[١٢ ـ ١٣] يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم ، وفي ضمن ذلك ، تحذير المؤمنين ، من الاغترار بهم ، والوقوع في مكرهم فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) فاتركوا دينكم أو بعضه ، واتبعونا في ديننا ، فإننا نضمن لكم الأمر (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ). وهذا الأمر ليس بأيديهم ، فلهذا قال : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) لا قليل ولا كثير. فهذا التحمل ، ولو رضي به صاحبه ، فإنه لا يفيد شيئا ، فإن الحق لله والله تعالى لم يمكن العبد من التصرف في حقه ، إلا بأمره وحكمه ، وحكمه (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣٨). ولما كان قوله : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) قد يتوهم منه أيضا ، أن الكفار الداعين إلى كفرهم ـ ونحوهم ممن دعا إلى باطله ـ ليس عليهم إلا ذنبهم ، الذي ارتكبوه ، دون الذنب الذي فعله غيرهم ، ولو كانو متسببين فيه ، قال محترزا عن هذا الوهم : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أي : أثقال ذنوبهم التي عملوها (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) وهي الذنوب التي حصلت بسببهم ، ومن جرائمهم. وفالذنب الذي فعله التابع ، لكل من التابع والمتبوع حصة منه حصلت ، هذا لأنه