الإيمان ، أن يبقوا في حالة ، يسلمون فيها من الفتن والمحن ، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه. فإنه لو كان الأمر كذلك ، لم يتميز الصادق من الكاذب ، والمحق من المبطل. ولكن سنته تعالى وعادته في الأولين ، في هذه الأمة ، أن يبتليهم بالسراء والضراء ، والعسر واليسر ، والمنشط والمكره ، والغنى والفقر ، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان ، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ، ونحو ذلك من الفتن ، التي ترجع كلها ، إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة ، والشهوات المعارضة للإرادة. فمن كان عند ورود الشبهات ، يثبت إيمانه ولا يتزلزل ، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب ، أو الصارفة عن ما أمر الله به ورسوله ، يعمل بمقتضى الإيمان ، ويجاهد شهوته ، دلّ على صدق إيمانه وصحته. ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه ، شكا وريبا ، وعند اعتراض الشهوات ، تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات ، دلّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه. والناس في هذا المقام : درجات ، لا يحصيها إلا الله ، فمستقل ومستكثر. فنسأل الله تعالى ، أن يثبتنا بالقول الثابت ، في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وأن يثبت قلوبنا على دينه ، فالابتلاء والامتحان للنفوس ، بمنزلة الكير ، يخرج خبثها ، وطيبها.
[٤] أي : أحسب الذين همهم ، فعل السيئات ، وارتكاب الجنايات ، أن أعمالهم ستهمل ، وأن الله سيغفل عنهم ، أو يفوتونه ، فلذلك أقدموا عليها ، وسهل عليهم عملها؟ (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي : ساء حكمهم ، فإنه حكم جائر ، لتضمنه إنكار قدرة الله وحكمته ، وأن لديهم قدرة ، يمتنعون بها من عقاب الله ، وهم أضعف شيء وأعجزه.
[٥] (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٥) يعني : يا أيها المحب لربه المشتاق لقربه ولقائه ، المسارع في مرضاته ، أبشر بقرب لقاء الحبيب ، فإنه آت ، وكل ما هو آت قريب. فتزود للقائه ، وسر نحوه ، مستصحبا الرجاء ، مؤملا الوصول إليه. ولكن ، ما كل من يدّعي يعطى بدعواه ، ولا كل من تمنى ، يعطى ما تمناه ، فإن الله سميع للأصوات ، عليم بالنيات. فمن كان صادقا في ذلك ، أناله ما يرجو ، ومن كان كاذبا ، لم تنفعه دعواه. وهو العليم بمن يصلح لحبه ، ومن لا يصلح.
[٦] (وَمَنْ جاهَدَ) نفسه وشيطانه ، وعدوه الكافر ، (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) لأن نفعه راجع إليه ، و (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) لم يأمرهم به لينتفع به ، ولا نهاهم عمّا نهاهم عنه بخلا منه عليهم. وقد علم أن الأوامر والنواهي ، يحتاج المكلف فيها إلى جهاد ، لأن نفسه ، تتثاقل بطبعها عن الخير ، وشيطانه ينهاه عنه ، وعدوه الكافر ، يمنعه من إقامة دينه ، كما ينبغي. وكل هذه معارضات ، تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد.
[٧] (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) يعني أن الذين منّ الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح ، سيكفر الله عنهم سيئاتهم ، لأن الحسنات يذهبن السيئات. (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) وهي أعمال الخير ، من واجبات ، ومستحبات ، فهي أحسن ما يعمل العبد ، لأنه يعمل المباحات أيضا ، وغيرها.