الشرعي ، وأن يجزم أن ما خالفه ، ليس من الأدب في شيء. والله تعالى لا يستحي أن يأمركم ، بما فيه الخير لكم ، والرفق لرسوله كائنا ما كان. فهذا أدبهم في الدخول في بيوته. وأما أدبهم معه في خطاب زوجاته ، فإنه إما أن يحتاج إلى ذلك ، أو لا يحتاج إليه. فإن لم يحتج إليه ، فلا حاجة إليه ، والأدب تركه. وإن احتيج إليه ، كأن يسألهن متاعا ، أو غيره من أواني البيت أو نحوها ، فإنهن يسألن (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي : يكون بينكم وبينهن ستر ، يستر عن النظر ، لعدم الحاجة إليه. فصار النظر إليهن ممنوعا بكل حال ، وكلامهن فيه التفصيل الذي ذكره الله. ثمّ ذكر حكمة ذلك بقوله : (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) أنه أبعد عن الريبة. وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر ، فإنه أسلم له ، وأطهر لقلبه. فلهذا ، من الأمور الشرعية الّتي بيّن الله كثيرا من تفاصيلها ، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته ، ممنوعة ، وأنه مشروع البعد عنها ، بكل طريق. ثمّ قال كلمة جامعة وقاعدة عامة : (وَما كانَ لَكُمْ) يا معشر المؤمنين ، أي : غير لائق ولا مستحسن منكم ، بل هو أقبح شيء. (أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) أي : أذية قولية أو فعلية ، بجميع ما يتعلق به. (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) هذا من جملة ما يؤذيه ، فإنه صلىاللهعليهوسلم ، له مقام التعظيم ، والرفعة والإكرام ، وتزوج زوجاته بعده ، مخل بهذا المقام. وأيضا ، فإنهن زوجاته في الدنيا والآخرة ، والزوجية باقية بعد موته ، فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده ، لأحد من أمته. (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) وقد امتثلت هذه الأمة هذا الأمر ، واجتنبت ما نهى الله عنه منه ، ولله الحمد والشكر.
[٥٤] ثمّ قال تعالى : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً) أي : تظهروه (أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) يعلم ما في قلوبكم ، وما أظهرتموه ، فيجازيكم عليه.
[٥٥] لما ذكر أنهن لا يسألن متاعا إلا من وراء حجاب ، وكان اللفظ عاما لكل أحد ، احتيج أن يستثنى منه هؤلاء المذكورون ، من المحارم ، وأنه (لا جُناحَ عَلَيْهِنَ) في عدم الاحتجاب عنهم. ولم يذكر فيها الأعمام ، والأخوال ، لأنهن ، إذا لم يحتجبن عمّن هن عماته وخالاته ، من أبناء الإخوة والأخوات ، مع رفعتهن عليهم ، فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن ، من باب أولى ، ولأن منطوق الآية الأخرى ، المصرحة بذكر العم والخال مقدمة ، على ما يفهم من هذه الآية. وقوله : (وَلا نِسائِهِنَ) أي : اللاتي من جنسهن في الدين ، فيكون ذلك مخرجا لنساء الكفار. ويحتمل أن المراد جنس النساء ، فإن المرأة لا تحتجب عن المرأة. (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) ما دام العبد في ملكها جميعه. ولما رفع الجناح عن هؤلاء ، شرط فيه وفي غيره ، لزوم تقوى الله ، وأن لا يكون في ذلك محذور شرعي فقال : (وَاتَّقِينَ اللهَ) أي : استعملن تقواه في جميع الأحوال (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) يشهد أعمال العباد ، ظاهرها وباطنها ، ويسمع أقوالهم ، ويرى حركاتهم ، ثمّ يجازيهم على ذلك ، أتم الجزاء وأوفاه.
[٥٦] وهذا فيه تنبيه على كمال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورفعة درجته ، وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ، ورفع ذكره. و (إِنَّ اللهَ) تعالى (وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) أي : يثني الله عليه بين الملائكة ، وفي الملأ الأعلى ، لمحبته تعالى