إياه. ويثني عليه الملائكة المقربون ، ويدعون له ويتضرعون. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اقتداء بالله وملائكته ، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم ، وتكميلا لإيمانكم ، وتعظيما له صلىاللهعليهوسلم ، ومحبة وإكراما ، وزيادة في حسناتكم ، وتكفيرا عن سيئاتكم. وأفضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسّلام ، ما علمه أصحابه «اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» وهذا الأمر بالصلاة والسّلام عليه مشروع في جميع الأوقات وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة.
[٥٧] لما أمر تعالى بتعظيم رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وبالصلاة والسّلام عليه ، نهى عن أذيته ، وتوعد عليها فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وهذا يشمل كلّ أذية ، قولية أو فعلية ، من سب وشتم ، أو تنقص له ، أو لدينه ، أو ما يعود إليه بالأذى. (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا) أي : أبعدهم وطردهم ، ومن لعنهم في الدنيا ، أنه يتحتم قتل من شتم الرسول ، وآذاه. (وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) جزاء له على أذاه ، أن يؤذى بالعذاب المهين ، فأذية الرسول ليست كأذية غيره ، لأنه لا يؤمن العبد بالله ، حتى يؤمن برسوله صلىاللهعليهوسلم. وله من التعظيم ، الذي هو من لوازم الإيمان ، ما يقتضي ذلك أن لا يكون مثل غيره.
[٥٨] وإن كان أذية المؤمنين عظيمة ، وإثمها عظيما ، ولهذا قال فيها : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي : بغير جناية منهم موجبة للأذى (فَقَدِ احْتَمَلُوا) على ظهورهم (بُهْتاناً) حيث آذوهم بغير سبب (وَإِثْماً مُبِيناً) حيث تعدوا عليهم ، وانتهكوا حرمة أمر الله باحترامها. ولهذا كان سبّ آحاد المؤمنين ، موجبا للتعزير ، بحسب حالته وعلو مرتبته. فتعزير من سبّ الصحابة أبلغ ، وتعزير من سبّ العلماء وأهل الدين ، أعظم من غيرهم.
[٥٩] هذه الآية ، هي الّتي تسمى آية الحجاب ، فأمر الله نبيه ، أن يأمر النساء عموما ، ويبدأ بزوجاته وبناته ، لأنهن آكد من غيرهن ، ولأن الآمر لغيره ، ينبغي أن يبدأ بأهله ، قبل غيرهم كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً). أن (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) وهن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه ، أي : يغطين بها ، وجوههن وصدورهن. ثمّ ذكر حكمة ذلك فقال : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) دلّ على وجود أذية ، إن لم يحتجبن ، وذلك لأنهن إذا لم يحتجبن ، ربما ظن أنهن غير عفيفات ، فيتعرض لهن من في قلبه مرض ، فيؤذيهن. وربما استهين بهن ، وظن أنهن إماء ، فتهاون بهن من يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) حيث غفر لكم ما سلف ، ورحمكم ، بأن بيّن لكم الأحكام ، وأوضح الحلال والحرام ، فهذا سد للباب من جهتين.
[٦٠] وأما من جهة أهل الشر فقد توعدهم بقوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : مرض شك أو شهوة (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) أي : المخوفون المرهبون الأعداء ، المتحدثون بكثرتهم وقوتهم ، وضعف