المسلمين. ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه ، ليعم ذلك ، كل ما توحي به أنفسهم إليهم ، وتوسوس به ، وتدعو إليه من الشر ، من التعريض بسبّ الإسلام وأهله ، والإرجاف بالمسلمين ، وتوهين قواهم ، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة ، وغير ذلك من المعاصي الصادرة ، من أمثال هؤلاء. (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي : نأمرك بعقوبتهم وقتالهم ، ونسلطك عليهم. ثمّ إذا فعلنا ذلك ، لا طاقة لهم بك ، وليس لهم قوة ولا امتناع. ولهذا قال : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) أي : لا يجاورونك في المدينة إلا قليلا ، بأن تقتلهم أو تنفيهم.
[٦١] وهذا فيه دليل ، لنفي أهل الشر ، الّذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين ، فإن ذلك أحسم للشر ، وأبعد منه ، ويكونون (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) (٦١) أي : مبعدين ، حيث وجدوا ، لا يحصل لهم أمن ، ولا يقر لهم قرار ، يخشون أن يقتلوا ، أو يحبسوا ، أو يعاقبوا.
[٦٢] (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) أن من تمادى في العصيان ، وتجرأ على الأذى ، ولم ينته منه ، فإنه يعاقب عقوبة بليغة. (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي : تغييرا ، بل سنّته تعالى وعادته ، جارية مع الأسباب المقتضية لمسبباتها.
[٦٣] أي يستخبرك الناس عن الساعة ، استعجالا لها ، وبعضهم تكذيبا لوقوعها ، وتعجيزا للذي أخبر بها. (قُلْ) لهم : (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) أي : لا يعلمها إلا الله ، فليس لي ، ولا لغيري بها علم. ومع هذا ، فلا تستبطئوها. (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) ومجرد مجيء الساعة ، قربا وبعدا ، ليس تحته نتيجة ولا فائدة ، وإنّما النتيجة والخسار ، والربح ، والشقاوة والسعادة ، هل يستحق العبد العذاب ، أو يستحق الثواب؟ فهذه سأخبركم بها ، وأصف لكم مستحقها.
[٦٤] فوصف مستحق العذاب ، ووصف العذاب ، لأن الوصف المذكور ، منطبق على هؤلاء المكذبين بالساعة فقال : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ) أي : الّذين صار الكفر دأبهم وطريقتهم ، الكفر بالله وبرسله ، وبما جاءوا به من عند الله ، فأبعدهم الله في الدنيا والآخرة من رحمته ، وكفى بذلك عقابا. (وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) أي : نارا موقدة ، تسعر في أجسامهم ، ويبلغ العذاب إلى أفئدتهم ، ويخلدون في ذلك العذاب الشديد ، فلا يخرجون منه ، ولا يفتّر عنهم ساعة.
[٦٥] (لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) فيعطيهم ما طلبوه (وَلا نَصِيراً) يدفع عنهم العذاب.
[٦٦] بل قد تخلى عنهم النصير ، وأحاط بهم عذاب السعير ، وبلغ منهم مبلغا عظيما. ولهذا قال : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) فيذوقون حرها ، ويشتد عليهم أمرها ، ويتحسرون على ما أسلفوا. (يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) فسلمنا من هذا العذاب ، واستحققنا كالمطيعين جزيل الثواب. ولكن أمنية فات وقتها ، فلم تفدهم إلا حسرة وندما ، وهمّا ، وغمّا ، وألما.
[٦٧] (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) وقلدناهم على ضلالهم. (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا). كقوله تعالى : (وَيَوْمَ