[٧] أي : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) على وجه التكذيب والاستهزاء والاستبعاد. أي : قال بعضهم لبعض : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) يعنون بذلك الرجل ، رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنه رجل أتى بما يستغرب منه ، حتى صار ـ بزعمهم ـ فرجة يتفرجون عليه ، وأعجوبة يسخرون منه. وأنه كيف يقول : (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ) بعد ما مزقكم البلى ، وتفرقت أوصالكم ، واضمحلت أعضاؤكم؟
[٨] فهذا الرجل الذي أتى بذلك ، هل (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فتجرأ عليه وقال ما قال ، (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ)؟ فلا يستغرب منه ، فإن الجنون فنون. وكان هذا منهم ، على وجه العناد والظلم ، ولقد علموا ، أنه أصدق خلق الله وأعقلهم ، ومن علمهم ، أنهم أبدأوا وأعادوا في معاداتهم ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ، في صد الناس عنه ؛ فلو كان كاذبا مجنونا ـ يا أهل العقول غير الزاكية ـ لم ينبغ أن تصغوا لما قال ، ولا أن تحتفلوا بدعوته. فإن المجنون ، لا ينبغي للعاقل أن يلفت إليه نظره ، أو يبلغ قوله منه ، كل مبلغ. ولو لا عنادكم وظلمكم ، لبادرتم لإجابته ، ولبيتم دعوته ، ولكن (ما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) ولهذا قال تعالى : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ومنهم الّذين قالوا تلك المقالة. (فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) أي : في الشقاء العظيم ، والضلال البعيد ، الذي ليس بقريب من الصواب. وأي شقاء وضلال ، أبلغ من إنكارهم لقدرة الله على البعث ، وتكذيبهم لرسوله ، الذي جاء به ، واستهزائهم به ، وجزمهم بأن ما جاءوا به هو الحقّ ، فرأوا الحقّ باطلا ، والباطل والضلال حقا وهدى.
[٩] ثمّ نبههم على الدليل العقلي ، الدال على عدم استبعاد البعث ، الذي استبعدوه ، وأنهم لو نظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم ، من السماء والأرض لرأوا من قدرة الله فيهما ، ما يبهر العقول ، ومن عظمته ما يذهل العلماء الفحول ، وأن خلقهما وعظمتهما ، وما فيهما من المخلوقات ، أعظم من إعادة الناس ـ بعد موتهم ـ من قبورهم. فما الحامل لهم ، على ذلك التكذيب ، مع التصديق بما هو أكبر منه؟ نعم ذاك خبر غيبي إلى الآن ، ما شاهدوه ، فلذلك كذبوا به. قال الله : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي : من العذاب ، لأن الأرض والسماء ، تحت تدبيرنا ، فإن أمرناهما ، لم يستعصيا. فاحذروا إصراركم على تكذيبكم ، فنعاقبكم أشد العقوبة. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : خلق السموات والأرض ، وما فيهما من المخلوقات (لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) راجع إلى ربه ، ومطيع له ، فيجزم بأن الله قادر على البعث. فكلما كان العبد أعظم إنابة إلى الله ، كان انتفاعه بالآيات أعظم ، لأن المنيب مقبل إلى ربه ، قد توجهت إرادته وهماته لربه ، ورجع إليه في كلّ أمر من أموره ، فصار قريبا من ربه ، ليس له هم إلا الاشتغال بمرضاته. فيكون نظره للمخلوقات ، نظر فكر وعبرة ، لا نظر غفلة غير نافعة.
[١٠ ـ ١١] أي : ولقد مننا على عبدنا ورسولنا ، داود عليه الصلاة والسّلام ، وآتيناه فضلا من العلم النافع ، والعمل الصالح ، والنّعم الدينية والدنيوية. ومن نعمه عليه ، ما خصه من أمره تعالى الجمادات ، كالجبال والحيوانات ، من الطيور ، أن تؤوّب معه ، وترجّع التسبيح بحمد ربها ، مجاوبة له. وفي هذا من النعمة عليه ، أن كان