الأموات ، وقيام الساعة ، وعارضوا بذلك رسله ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : بالله وبرسله ، وبما جاءوا به. فقالوا بسبب كفرهم : (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) أي : ما هي ، إلا هذه الحياة الدنيا ، نموت ونحيا. فأمر الله رسوله ، أن يرد قوله ويبطله ، ويقسم على البعث ، وأنه سيأتيهم فقال : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) ، واستدل على ذلك بدليل من أقرّ به ، لزمه أن يصدق بالبعث ضرورة ، وهو علمه تعالى الواسع العام فقال : (عالِمِ الْغَيْبِ) أي : الأمور الغائبة عن أبصارنا ، وعن علمنا ، فكيف بالشهادة؟ ثمّ أكّد علمه فقال : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) أي : لا يغيب عن علمه (مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أي : جميع الأشياء بذواتها وأجزائها ، حتى أصغر ما يكون من الأجزاء ، وهي المثاقيل منها. (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي : قد أحاط به علمه ، وجرى به قلمه ، وتضمنه الكتاب المبين ، الذي هو اللوح المحفوظ. فالذي لا يخفى عن علمه مثقال الذرة فما دونه ، في جميع الأوقات ، ويعلم ما تنقص الأرض من الأموات ، وما يبقى من أجسادهم ، قادر على بعثهم ، من باب أولى ، وليس بعثهم بأعجب من هذا العلم المحيط.
[٤] ثمّ ذكر المقصود من البعث فقال : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بقلوبهم ، وصدقوا الله ، وصدقوا رسله تصديقا جازما (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) تصديقا لإيمانهم. (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم ، بسبب إيمانهم وعملهم ، يندفع بها كل شر وعقاب. (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) بإحسانهم ، يحصل لهم به كلّ مطلوب ومرغوب وأمنية.
[٥] (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) أي : سعوا فيها كفرا بها ، وتعجيزا لمن جاء بها ، وتعجيزا لمن أنزلها ، كما عجزوه في الإعادة بعد الموت. (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) أي : مؤلم لأبدانهم ، وقلوبهم.
[٦] لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث ، وأنهم يرون ما أنزل على رسوله ليس بحق ، ذكر حالة الموفقين من العباد ، وهم أهل العلم ، وأنهم يرون ما أنزل الله على رسوله ، من الكتاب ، وما اشتمل عليه من الأخبار ، هو الحقّ ، منحصر فيه ، وما خالفه وناقضه ، فإنه باطل ، لأنهم وصلوا من العلم إلى درجة اليقين. ويرون أيضا أنه في أوامره ونواهيه (يَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) وذلك لأنهم جزموا بصدق ما أخبر به من وجوه كثيرة. من جهة علمهم ، بصدق ما أخبر به. ومن جهة موافقته للأمور الواقعة ، والكتب السابقة. ومن جهة ما يشاهدون من أخبارها ، الّتي تقع عيانا. ومن جهة ما يشاهدون من الآيات العظيمة الدالة عليها في الآفاق ، وفي أنفسهم. ومن جهة موافقتها ، لما دلت عليه أسماؤه تعالى وأوصافه. ويرون في الأوامر والنواهي ، أنها تهدي إلى الصراط المستقيم ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والإحسان إلى عموم الخلق ، ونحو ذلك. وتنهى عن كلّ صفة قبيحة ، تدنس النفس ، وتحبط الأجر ، وتوجب الإثم والوزر ، من الشرك ، والربا ، والظلم في الدماء والأموال ، والأعراض. وهذه منقبة لأهل العلم وفضيلة ، وعلامة لهم ، وأنه كلما كان العبد أعظم علما وتصديقا بأخبار ما جاء به الرسول ، وأعظم معرفة بحكم أوامره ونواهيه ، كان من أهل العلم الّذين جعلهم الله حجة على ما جاء به الرسول ، احتج الله بهم على المكذبين المعاندين ، كما في هذه الآية وغيرها.