[٢٠] ثمّ ذكر أن قوم سبأ من الّذين صدّق عليهم إبليس ظنه ، حيث قال لربه : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٨٣). وهذا ظن من إبليس ، لا يقين ؛ لأنه لا يعلم الغيب ، ولم يأته خبر من الله أنه سيغويهم أجمعين ، إلا من استثنى. فهؤلاء وأمثالهم ، ممن صدق عليه إبليس ظنه ، ودعاهم وأغواهم (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ممن لم يكفر بنعمة الله ، فإنه لم يدخل تحت ظن إبليس. ويحتمل أن قصة سبأ ، انتهت عند قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ). ثمّ ابتدأ فقال : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ) أي : على جنس الناس ، فتكون الآية عامة ، في كلّ من اتبعه.
[٢١] ثمّ قال تعالى : (وَما كانَ لَهُ) أي : لإبليس (عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي : تسلط ، وقهر ، وقسر على ما يريده منهم ، ولكن حكمة الله تعالى ، اقتضت تسليطه ، وتسويله لبني آدم. (لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) أي : ليقوم سوق الامتحان ، ويعلم به الصادق من الكاذب ، ويعرف من كان إيمانه صحيحا ، يثبت عند الامتحان والاختبار ، وإلقاء الشبه الشيطانية ، ممن إيمانه غير ثابت ، يتزلزل بأدنى شبهة ، ويزول بأقل داع يدعوه إلى ضده. فالله تعالى جعله امتحانا ، يمتحن به عباده ، ويظهر الخبيث من الطيب. (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) يحفظ العباد ، ويحفظ عليهم أعمالهم ، ويحفظ تعالى جزاءها ، فيوفيهم إياها ، كاملة موفرة.
[٢٢] أي : (قُلِ) يا أيها الرسول ، للمشركين بالله غيره من المخلوقات ، الّتي لا تنفع ولا تضر ، ملزما لهم بعجزها ، ومبينا بطلان عبادتها : (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : زعمتموهم شركاء لله ، إن كان دعاؤكم ينفع ، فإنهم قد توفرت فيهم أسباب العجز ، وعدم إجابة الدعاء من كلّ وجه. فإنهم ليس لهم أدنى ملك (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) على وجه الاستقلال ، ولا على وجه الاشتراك ، ولهذا قال : (وَما لَهُمْ) أي : لتلك الآلهة الّذين زعمتم (فِيهِما) أي : في السموات والأرض. (مِنْ شِرْكٍ) أي : لا شرك قليل ولا كثير ، فليس لهم ملك ، ولا شركة ملك. بقي أن يقال : ومع ذلك ، فقد يكونون أعوانا للمالك ، ووزراء له ، فدعاؤهم يكون نافعا ، لأنهم ـ بسبب حاجة الملك إليهم ـ يقضون حوائج من تعلق بهم. فنفى تعالى هذه المرتبة فقال : (وَما لَهُ) أي : لله تعالى الواحد القهار (مِنْهُمْ) أي : من هؤلاء المعبودين (مِنْ ظَهِيرٍ) أي : معاون ووزير ، يساعده على الملك والتدبير.
[٢٣] فلم يبق إلا الشفاعة ، فنفاها بقوله : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ). فهذه أنواع التعلقات ، الّتي يتعلق بها المشركون بأندادهم ، وأوثانهم ، من البشر ، والشجر ، وغيرهم ، قطعها الله وبيّن بطلانها ، تبيينا حاسما لمواد الشرك ، قاطعا لأصوله. لأن المشرك ، إنّما يدعو ويعبد غير الله ، لما يرجو منه من النفع ، فهذا الرجاء ، هو الذي أوجب له الشرك. فإذا كان من يدعوه غير الله ، لا مالكا للنفع والضر ، ولا شريكا للمالك ، ولا عونا وظهيرا للمالك ، ولا يقدر أن يشفع بدون إذن المالك ، كان هذا الدعاء ، وهذه العبادة ، ضلالا في العقل ، باطلة في الشرع. بل ينعكس على المشرك مطلوبه ، ومقصوده ، فإنه يريد منها النفع ، فبيّن الله بطلانه ، وعدمه ، وبيّن في آيات أخر ،