بعضكم من بعض. (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) بالكفر والمعاصي ـ بعد ما ندخلهم النار ـ (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) فاليوم عاينتموها ، ودخلتموها جزاء لتكذيبكم ، وعقوبة لما أحدثه ذلك التكذيب ، من عدم الهرب من أسبابها.
[٤٣] يخبر تعالى عن حالة المشركين ، عند ما تتلى عليهم آيات الله البينات ، وحججه الظاهرات ، وبراهينه القاطعات ، الدالة على كلّ خير ، الناهية عن كلّ شر ، الّتي هي أعظم نعمة جاءتهم ، ومنّة وصلت إليهم ، الموجبة لمقابلتها بالإيمان والتصديق ، والانقياد ، والتسليم ، أنهم يقابلونها بضد ما ينبغي ، ويكذبون من جاءهم بها ويقولون : (ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) أي : هذا قصده ، حين يأمركم بالإخلاص لله ، لتتركوا عوائد آبائكم الّذين تعظمونهم وتمشون خلفهم. فردوا الحق ، بقوة الضالين ، ولم يوردوا برهانا ، ولا شبهة. فأي شبهة إذا أمرت الرسل بعض الضالين ، باتباع الحق ، فادّعوا أن إخوانهم الّذين على طريقتهم لم يزالوا عليه؟ وهذه السفاهة ، ورد الحق ، بأقوال الضالين ، إذا تأملت كلّ حق رد ، فإذا هذا مآله ، لا يرد إلا بأقوال الضالين من المشركين ، والدهريين ، والفلاسفة ، والصابئين ، والملحدين في دين الله ، المارقين ، فهم أسوة كلّ من رد الحق إلى يوم القيامة. ولما احتجوا بفعل آبائهم ، وجعلوها دافعة لما جاءت به الرسل ، طعنوا بعد هذا ، بالحق. (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) أي : كذب افتراه هذا الرجل ، الذي جاء به. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي : سحر ظاهر لكل أحد ، تكذيبا بالحق ، وترويجا على السفهاء.
[٤٤] ولمّا بيّن ما ردوا به الحق ، وأنها أقوال دون مرتبة الشبهة ، فضلا عن أن تكون حجة ، ذكر أنهم وإن أراد أحد أن يحتج لهم ، فإنهم لا مستند لهم ، ولا لهم شيء يعتمد عليه أصلا ، فقال : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) حتى تكون عمدة لهم (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) حتى يكون عندهم من أقواله وأحواله ، ما يدفعون به ، ما جئتهم به. فليس عندهم علم ، ولا أثارة من علم.
[٤٥] ثمّ خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين قبلهم فقال : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا) أي : ما بلغ هؤلاء المخاطبون (مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) أي : الأمم الّذين من قبلهم. (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي : إنكاري عليهم ، وعقوبتي إياهم. وقد أعلمنا ما فعل بهم من النكال ، وأن منهم من أغرقه ، ومنهم من أهلكه بالريح العقيم ، وبالصيحة ، وبالرجفة ، وبالخسف بالأرض ، وبإرسال الحاصب من السماء. فاحذروا يا هؤلاء المكذبون ، أن تدوموا على التكذيب ، فيأخذكم كما أخذ من قبلكم ، ويصيبكم ما أصابهم.
[٤٦] أي (قُلْ) يا أيها الرسول ، لهؤلاء المكذبين المعاندين ، المتصدين لرد الحق وتكذيبه ، والقدح بمن جاء به : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) أي : بخصلة واحدة ، أشير عليكم بها ، وأنصح لكم في سلوكها. وهي طريق نصف ، لست أدعوكم بها ، إلى اتباع قولي ، ولا إلى ترك قولكم ، من دون موجب لذلك ، وهي : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) أي : تنهضوا بهمة ، ونشاط وقصد لاتباع الصواب ، وإخلاص لله ، مجتمعين ، ومتباحثين في ذلك ، ومتناظرين ،