المألوه المعبود ، الذي لا يستحق شيئا من العبادة سواه ، وأن عبادة ما سواه باطلة متعلقة بباطل ، لا تفيد عابده شيئا.
[١٥] يخاطب تعالى ، جميع الناس ، ويخبرهم بحالهم ووصفهم ، وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه : فقراء في إيجادهم ، فلو لا إيجاده إياهم ، لم يوجدوا. فقراء في إعدادهم ، بالقوى ، والأعضاء ، والجوارح ، الّتي لو لا إعداده إياهم بها ، لما استعدوا لأي عمل كان. فقراء في إمدادهم ، بالأقوات ، والأرزاق والنعم ، الظاهرة والباطنة. فلو لا فضله وإحسانه ، وتيسيره الأمور ، لما حصل لهم من الرزق والنّعم ، شيء. فقراء في صرف النقم عنهم ، ودفع المكاره ، وإزالة الكروب والشدائد. فلو لا دفعه عنهم ، وتفريجه لكرباتهم ، وإزالته لعسرهم ، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد. فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية ، وأجناس التدبير. فقراء إليه ، في تألههم له وحبهم له ، وتعبدهم ، وإخلاص العبادة له تعالى. فلو لم يوفقهم لذلك ، لهلكوا ، وفسدت أرواحهم ، وقلوبهم ، وأحوالهم. فقراء إليه ، في تعليمهم ما لا يعلمون ، وعملهم بما يصلهم. فلو لا تعليمه ، لم يتعلموا ، ولو لا توفيقه ، لم يصلحوا. فهم فقراء بالذات إليه ، بكل معنى ، وبكل اعتبار ، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر ، أم لم يشعروا. ولكن الموفق منهم ، الذي لا يزال يشاهد فقره في كلّ حال من أمور دينه ودنياه ، ويتضرع له ، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين ، وأن يعينه على جميع أموره ، ويستصحب هذا المعنى فى كلّ وقت ، فهذا حريّ بالإعانة التامة من ربه وإلهه ، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها. (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي : الذي له الغنى التام ، من جميع الوجوه ، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه ، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق ، وذلك لكمال صفاته ، وكونها كلها صفات كمال ، ونعوت جلال. ومن غناه تعالى ، أن قد أغنى الخلق في الدنيا والآخرة. فهو الحميد في ذاته ، وأسمائه ، لأنها حسنى ، وأوصافه ، لكونها عليا ، وأفعاله ، لأنها فضل وإحسان ، وعدل ، وحكمة ، ورحمة. وفي أوامره ونواهيه ، فهو الحميد على ما فيه من الصفات ، وعلى ما منه من الفضل والإنعام ، وعلى الجزاء بالعدل ، وهو الحميد في غناه ، الغني في حمده.
[١٦ ـ ١٧] (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٦) يحتمل أن المراد : إن يشأ يذهبكم أيها الناس ، ويأت بغيركم من الناس ، أطوع لله منكم. ويكون في هذا ، تهديد لهم بالهلاك والإبادة ، وأن مشيئته غير قاصرة عن ذلك. ويحتمل أن المراد بذلك ، إثبات البعث والنشور ، وأن مشيئة الله تعالى ، نافذة في كلّ شيء ، وفي إعادتكم بعد موتكم ، خلقا جديدا ، ولكن لذلك الوقت أجل ، قدّره الله ، لا يتقدم عنه ولا يتأخر.
[١٧] (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (١٧) أي : بممتنع ، ولا معجز له.
[١٨] ويدل على المعنى الأخير ، ما ذكره بعده في قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي : في يوم القيامة كل أحد يجازى بعمله ، ولا يحمل أحد ذنب أحد. (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) أي : نفس مثقلة بالخطايا والذنوب (إِلى حِمْلِها) أي : تستغيث بمن يحمل عنها بعض أوزارها (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) فإنه لا يحمل قريب عن قريب.