(وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) مما هم فيه.
[٤٤] (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) (٤٤) حيث لم نغرقهم ، لطفا بهم ، وتمتيعا لهم إلى حين ، لعلهم يرجعون ، أو يستدركون ما فرّط منهم.
[٤٥] (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ) أي : من أحوال البرزخ والقيامة ، وما في الدنيا من العقوبات (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
[٤٦] أعرضوا عن ذلك ، فلم يرفعوا به رأسا ، ولو جاءتهم كلّ آية ، ولهذا قال : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (٤٦). وفي إضافة الآيات إلى ربهم ، دليل على كمالها ووضوحها ، لأنه ما أبين من آيات الله ، ولا أعظم بيانا. وإن من جملة تربية الله لعباده ، أن أوصل إليهم الآيات الّتي يستدلون بها على ما ينفعهم ، في دينهم ودنياهم.
[٤٧] (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي : من الرزق الذي منّ به الله عليكم ، ولو شاء لسلبكم إياه. (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) معارضين للحق ، محتجين بالمشيئة : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ) أيها المؤمنون (إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) حيث تأمروننا بذلك. وهذا مما يدل على جهلهم العظيم ، أو تجاهلهم الوخيم ، فإن المشيئة ليست حجة لعاص أبدا. فإنه وإن كان ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فإنه تعالى مكّن العباد ، وأعطاهم من القوة ، ما يقدرون على فعل الأمر ، واجتناب النهي. فإذا تركوا ما أمروا به ، كان ذلك اختيارا منهم ، لا جبرا لهم ولا قهرا.
[٤٨] (وَيَقُولُونَ) على وجه التكذيب والاستعجال : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
[٤٩] قال الله تعالى : لا يستبعدوا ذلك ، فإنه عن قريب (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وهي نفخة الصور (تَأْخُذُهُمْ) أي : تصيبهم (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) أي : وهم لاهون عنها ، لم تخطر على قلوبهم في حال خصومتهم ، وتشاجرهم فيما بينهم ، الذي لا يوجد في الغالب إلا وقت الغفلة. وإذا أخذتهم وقت غفلتهم ، فإنهم لا ينظرون ولا يمهلون (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) أي : لا قليلة ولا كثيرة (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ).
[٥١] النفخة الأولى ، نفخة الفزع والموت ، وهذه نفخة البعث والنشور. فإذا نفخ في الصور ، خرجوا من الأجداث والقبور ، ينسلون إلى ربهم أي : يسرعون للحضور بين يديه ، لا يتمكنون من التأنّي والتأخر.
[٥٢] وفي تلك الحال ، يحزن المكذبون ، ويظهرون الحسرة والندم ، ويقولون : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) أي : من رقدتنا في القبور ، لأنه ورد في بعض الأحاديث ، أن لأهل القبور رقدة ، قبيل النفخ في الصور. فيجابون ، ويقال لهم : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) أي : هذا الذي وعدكم الله به ، ووعدتكم به الرسل ، فظهر صدقهم ، رأي العين. ولا تحسب أن ذكر الرحمن في هذا الموضع ، لمجرد الخبر عن وعده ، وإنّما ذلك للإخبار بأنه في ذلك اليوم العظيم ، سيرون من رحمته ، ما لا يخطر في الظنون ، ولا حسب الحاسبون ، كقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) ، (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) ونحو ذلك ، مما يذكر اسمه الرحمن ، في هذا.