كل أمر يريدونه منها ، وأنه جعل لهم فيها منافع كثيرة من حملهم ، وحمل أثقالهم ، ومحاملهم ، وأمتعتهم ، من محل إلى محل ، ومن أكلهم منها ، وفيها دفء ، ومن أوبارها وأصوافها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين. وفيها زينة وجمال ، وغير ذلك من المنافع المشاهدة منها. (أَفَلا يَشْكُرُونَ) الله تعالى الذي أنعم بهذه النّعم ، ويخلصون له العبادة ولا يتمتعون بها تمتعا خاليا من العبرة والفكرة.
[٧٤] هذا بيان لبطلان آلهة المشركين ، الّتي اتخذوها مع الله تعالى ، ورجوا نصرها وشفعها «أي : شفاعتها ووساطتها بينهم وبين الله».
[٧٥] فإنها في غاية العجز (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) ولا أنفسهم ينصرون. فإذا كانوا لا يستطيعون نصرهم ، فكيف ينصرونهم؟ والنصر له شرطان : الاستطاعة ، والقدرة. فإذا استطاع ، يبقى ، هل يريد نصرة من عبده أم لا؟ فنفي الاستطاعة ، ينفي الأمرين كليهما. (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) أي : محضرون هم وهم في العذاب ، ومتبرئ بعضهم من بعض. أفلا تبرأوا في الدنيا من عبادة هؤلاء ، وأخلصوا العبادة ، للذي بيده الملك والنفع والضر ، والعطاء والمنع ، وهو الولي النصير؟
[٧٦] أي : فلا يحزنك ، يا أيها الرسول ، قول المكذبين ، والمراد بالقول : ما دل عليه السياق ، كل قول يقدحون به في الرسول ، أو فيما جاء به. أي : فلا تشغل قلبك بالحزن عليهم (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فنجازيهم على حسب علمنا بهم ، وإلا فقولهم لا يضرك شيئا.
[٧٧] وهذه الآيات الكريمات ، فيها ، ذكر شبهة منكري البعث ، والجواب عنها بأتم جواب ، وأحسنه ، وأوضحه ، فقال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ) المنكر للبعث أو الشاك فيه ، أمرا يفيده اليقين التام بوقوعه وهو : (أَنَّا خَلَقْناهُ) ابتداء (مِنْ نُطْفَةٍ) ثمّ تنقله في الأطوار شيئا فشيئا ، حتى كبر وشب ، وتم عقله ، واستتب. (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) بعد أن كان ابتداء خلقه من نطفة. فلينظر التفاوت بين هاتين الحالتين ، وليعلم أن الذي أنشأه من العدم ، قادر على أن يعيده بعد ما تفرق وتمزق ، من باب أولى.
[٧٨] (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) لا ينبغي لأحد أن يضربه ، وهو قياس قدره الخالق بقدرة المخلوق ، وأن الأمر المستبعد على قدرة المخلوق ، مستبعد على قدرة الخالق. فسّر هذا المثل بقوله : (قالَ) ذلك الإنسان (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) أي : هل أحد يحييها؟ استفهام إنكار ، أي : لا أحد يحييها بعد ما بليت وتلاشت. هذا وجه الشبهة والمثل ، وهو أن هذا أمر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر. وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان ، غفلة منه ، ونسيان لابتداء خلقه. فلو فطن لخلقه ، بعد أن لم يكن شيئا مذكورا فوجد عيانا ، لم يضرب هذا المثل.
[٧٩] فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد ، بجواب شاف كاف فقال : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) وهذا بمجرد تصوره ، يعلم به علما يقينا لا شبهة فيه ، أن الذي أنشأها أوّل مرة قادر على الإعادة ، ثاني مرة ، وهو أهون على القدرة ، إذا تصوره المتصور (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ). هذا أيضا دليل ثان من صفات الله تعالى ، وهو أن علمه