والرؤيا ، أن الله يأمرني بذبحك ، ورؤيا الأنبياء وحي (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) فإن أمر الله تعالى ، لا بد من تنفيذه. (قالَ) إسماعيل صابرا محتسبا ، مرضيا لربه ، وبارا بوالده : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) أي : امض لما أمرك الله (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). أخبر أباه أنه موطن نفسه على الصبر ، وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى ، لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة الله.
[١٠٣] (فَلَمَّا أَسْلَما) أي : إبراهيم وابنه إسماعيل : إبراهيم جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده ، امتثالا لأمر ربه ، وخوفا من عقابه. والابن قد وطّن نفسه على الصبر ، وهانت عليه في طاعة ربه ، ورضا والده. (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) أي : تلّ إبراهيم إسماعيل على جبينه ، ليضجعه فيذبحه ، وقد انكب لوجهه ، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه. (وَنادَيْناهُ) في تلك الحال المزعجة ، والأمر المدهش (أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) أي : قد فعلت ما أمرت به ، فإنك وطّنت نفسك على ذلك ، وفعلت كل سبب ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٨٠) في عبادتنا ، المقدمين رضانا على شهوات أنفسهم. (إِنَّ هذا) الذي امتحنا به إبراهيم عليهالسلام (لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) أي : الواضح ، الذي تبين به صفاء إبراهيم ، وكمال محبته لربه ، وخلته. فإن إسماعيل عليهالسلام لما وهبه الله لإبراهيم ، أحبه حبا شديدا ، وهو خليل الرحمن ، والخلة أعلى أنواع المحبة ، وهو منصب لا يقبل المشاركة ويقتضي أن تكون جميع أجزاء القلب متعلقة بالمحبوب. فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه ، بابنه إسماعيل ، أراد تعالى أن يصفي ودّه ويختبر خلته. فأمره أن يذبح من زاحم حبّه حبّ ربه.
[١٠٧] فلما قدّم حب الله ، وآثره على هواه ، وعزم على ذبحه ، وزال ما في القلب من المزاحمة ، بقي الذبح لا فائدة فيه ، فلهذا قال : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (١٠٧) أي : صار بدله ذبح من الغنم عظيم ، ذبحه إبراهيم. فكان عظيما من جهة أنه كان فداء لإسماعيل. ومن جهة أنه كان قربانا وسنّة إلى يوم القيامة.
[١٠٨] (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) أي : وأبقينا عليه ثناء صادقا في الآخرين ، كما كان في الأولين. فكل وقت بعد إبراهيم عليهالسلام ، فإنه فيه محبوب معظم مثنيّ عليه.
[١٠٩] (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) (١٠٩) أي : تحية عليه كقوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى).
[١١٠] إنا (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) في عبادة الله ، ومعاملة خلقه ، أن نفرج عنهم الشدائد ، ونجعل لهم العاقبة ، والثناء الحسن.
[١١١] (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) بما أمر الله بالإيمان به ، الذي بلغ بهم الإيمان إلى درجة اليقين ، كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٧٥).
[١١٢] (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٢) هذه البشارة الثانية بإسحاق ، الذي من ورائه يعقوب. فبشّر بوجوده وبقائه ، ووجود ذريته ، وكونه نبيا من الصالحين. فهي بشارات متعددة.
[١١٣] (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) أي : أنزلنا عليهما البركة ، التي هي النمو والزيادة في علمهما وعملهما وذريتهما فنشر الله من ذريتهما ثلاث أمم عظيمة. أمة العرب من ذرية إسماعيل ، وأمة بني إسرائيل ، وأمة الروم من ذرية إسحق. (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) أي : منهم الصالح والطالح ، والعادل والظالم الذي تبين