الصالحة ، فقال : (إِذْ أَبَقَ) أي : من ربه مغاضبا له ظانا أنه لا يقدر عليه ، ويحبسه في بطن الحوت. ولم يذكر الله ما غاضب عليه ، ولا ذنبه الذي ارتكبه ، لعدم فائدتنا بذكره. وإنما فائدتنا بما ذكر لنا عنه ، أنه أذنب ، وعاقبه الله مع كونه من الرسل الكرام ، وأنه نجاه بعد ذلك ، وأزال عنه الملام ، وقيّض له ما هو سبب صلاحه. فلما أبق لجأ (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) بالركاب والأمتعة ، فلما ركب مع غيره ، والفلك شاحن ، ثقلت السفينة فاحتاجوا إلى إلقاء بعض الركاب ، وأنهم لم يجدوا لأحد مزية في ذلك ، فاقترعوا على أن من قرع وغلب ، ألقي في البحر عدلا من أهل السفينة ، وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه.
[١٤١ ـ ١٤٢] فلما اقترعوا أصابت القرعة يونس (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) أي : المغلوبين ، فألقي في البحر (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ) وقت التقامه (مُلِيمٌ) أي : فاعل ما يلام عليه ، وهو مغاضبته لربه.
[١٤٣] (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) (١٤٣) أي : في وقته السابق بكثرة عبادته لربه ، وتسبيحه ، وتحميده ، وفي بطن الحوت حيث قال : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
[١٤٤] (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١٤٤) أي : لكانت مقبرته ، ولكن بسبب تسبيحه وعبادته لله ، نجّاه الله تعالى. وكذلك ينجي الله المؤمنين ، عند وقوعهم في الشدائد.
[١٤٥] (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ) بأن : قذفه الحوت من بطنه بالعراء ، وهي الأرض الخالية العارية من كل أحد ، بل ربما كانت عارية من الأشجار والظلال (وَهُوَ سَقِيمٌ) أي : قد سقم ومرض ، بسبب حبسه في بطن الحوت ، حتى صار مثل الفرخ الممعوط من البيضة.
[١٤٦] (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) (١٤٦) تظله بظلها الظليل ، لأنها باردة الظلال ، ولا يسقط عليها ذباب ، وهذا من لطفه به وبره.
[١٤٧] ثم لطف به لطفا آخر ، وامتنّ عليه منّة عظمى ، وهو أنه أرسله (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ) من الناس (أَوْ يَزِيدُونَ) عنها. والمعنى أنهم إن لم يزيدوا عنها ، لم ينقصوا ، فدعاهم إلى الله تعالى :
[١٤٨] (فَآمَنُوا) فصاروا في موازينه ، لأنه الداعي لهم. (فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) بأن صرف الله عنهم العذاب ، بعد ما انعقدت أسبابه. قال تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (٩٨).
[١٤٩] يقول تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (فَاسْتَفْتِهِمْ) أي : اسأل المشركين بالله غيره ، الذين عبدوا الملائكة ، وزعموا أنها بنات الله ، فجمعوا بين الشرك بالله ، ووصفه بما لا يليق بجلاله. (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) أي : هذه قسمة ضيزى ، وقول جائر ، من جهة جعلهم الولد لله تعالى ، ومن جهة جعلهم أردأ القسمين وأخسهما له وهو البنات اللاتي لا يرضونهن لأنفسهم ، كما قال في الآية الأخرى (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (٥٧) ومن جهة جعلهم الملائكة بنات الله ، وحكمهم بذلك. قال تعالى في بيان كذبهم : (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) (١٥٠) خلقهم؟ أي : ليس الأمر كذلك ، فإنهم ما شهدوا خلقهم. فدلّ على أنهم قالوا هذا القول ، بلا علم ، بل افتراء على الله ، ولهذا قال تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) أي : كذبهم الواضح (لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١٥٢) «في قولهم ذلك كذبا بينا لا ريب فيه». (أَصْطَفَى) أي : اختار (الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ