تَحْكُمُونَ) (١٥٤) هذا الحكم الجائر (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (١٥٥) وتميزون هذا القول الباطل الجائر. فإنكم لو تذكرتم ، لم تقولوا هذا القول. (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) (١٥٦) أي : حجة ظاهرة على قولكم ، من كتاب ، أو رسول. وكل هذا غير واقع ولهذا قال : (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٥٧). فإن من يقول قولا ، لا يقيم عليه حجة شرعية ، فإنه كاذب متعمد ، أو قائل على الله ، بلا علم.
[١٥٨ ـ ١٦٠] أي : جعل هؤلاء المشركون بالله ، بين الله وبين الجنة نسبا ، حيث زعموا أن الملائكة بنات الله ، وأن أمهاتهم سروات الجن. والحال أن الجنة ، قد علمت أنهم محضرون بين يدي الله ، ليجازيهم ، فهم عباد أذلاء فلو كان بينهم وبينه نسب لم يكونوا كذلك.
[١٥٩] (سُبْحانَ اللهِ) الملك العظيم ، والكامل الحليم (عَمَّا يَصِفُونَ) به ربهم من كل وصف أوجبه كفرهم وشركهم.
[١٦٠] (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) فإنه لم ينزه نفسه عمّا وصفوه به ، لأنهم لم يصفوه إلا بما يليق بجلاله ، وبذلك كانوا مخلصين.
[١٦١ ـ ١٦٣] أي : إنكم أيها المشركون ، ومن عبدتموه مع الله ، لا تقدرون أن تفتنوا وتضلوا أحدا إلا من قضى الله أنه من أهل الجحيم ، فنفذ فيه القضاء الإلهي. المقصود من هذا ، بيان عجزهم وعجز آلهتهم ، عن إضلال أحد ، وبيان كمال قدرة الله تعالى. أي : فلا تطمعوا بإضلال عباد الله المخلصين وحزبه المفلحين.
[١٦٤] هذا فيه بيان براءة الملائكة عليهمالسلام ؛ عمّا قاله فيهم المشركون. وأنهم عباد الله ، لا يعصونه طرفة عين. فما منهم من أحد إلا وله مقام وتدبير ، قد أمر الله به لا يتعداه ولا يتجاوزه ، وليس لهم من الأمر شيء.
[١٦٥ ـ ١٦٦] (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) (١٦٥) في طاعة الله وخدمته (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) (١٦٦) «أي : والمقدسون لله سبحانه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه». فكيف ـ مع هذا ـ يصلحون أن يكونوا شركاء؟ «تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا».
[١٦٧ ـ ١٧٤] يخبر تعالى أن هؤلاء المشركين ، يظهرون التمني ، ويقولون : لو جاءنا من الذكر والكتب ما جاء الأولين ، لأخلصنا لله العبادة ، بل لكنا المخلصين على الحقيقة. وهم كذبة في ذلك ، فقد جاءهم أفضل الكتب ، فكفروا به ، فعلم أنهم متمردون على الحق (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) العذاب ، حين يقع بهم. ولا يحسبوا أيضا أنهم في الدنيا غالبون ، بل قد سبقت كلمة الله ، التي لا مرد لها ولا مخالف لها ، لعباده المرسلين ، وجنده المفلحين ، أنهم الغالبون لغيرهم ، المنصورون من ربهم ، نصرا عزيزا ، يتمكنون فيه من إقامة دينهم. وهذه بشارة عظيمة لمن اتصف بأنه من جند الله ، بأن كانت أحواله مستقيمة ، وقاتل من أمر بقتالهم ، أنه غالب منصور.
[١٧٥ ـ ١٧٩] ثم أمر رسوله بالإعراض عمن عاندوا ، ولم يقبلوا الحق ، وأنه ما بقي إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب ، ولهذا قال : (وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (١٧٥) من يحل به النكال ، فإنه سيحل بهم. (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) أي : نزل عليهم ، وقريبا منهم (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ). لأنه صباح الشر ، والعقوبة ، والاستئصال. ثم كرّر الأمر بالتّوليّ عنهم ، وتهديدهم بوقوع العذاب.
[١٨٠] ولما ذكر في هذه السورة ، كثيرا من أقوالهم الشنيعة ، التي وصفوه بها ، نزه نفسه عنها فقال : (سُبْحانَ