فسألوه ، فأعطى كلا منهم ما سأل وتمنى ، لم ينقصوا من غناه شيئا ، ولم ينقصوا مما عنده ، إلا كما ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط. وجميع الشفعاء يخافونه ، فلا يشفع منهم أحد إلا بإذنه ، وله الشفاعة كلها. فبهذه الفروق ، يعلم جهل المشركين به ، وسفههم العظيم ، وشدة جراءتهم عليه. ويعلم أيضا ، الحكمة في كون الشرك لا يغفره الله تعالى ؛ لأنه يتضمن القدح في الله تعالى. ولهذا قال ـ حاكما بين الفريقين ، المخلصين والمشركين ، وفي ضمنه التهديد للمشركين ـ : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). وقد علم أن حكمة أن المؤمنين المخلصين في جنات النعيم ، أن من يشرك بالله ، فقد حرم الله عليه الجنة ، ومأواه النار. (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أي : لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم. (مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ). أي : وصفه الكذب أو الكفر ، بحيث تأتيه المواعظ والآيات ، ولا يزول عنه ما اتصف به ، ويريه الله الآيات ، فيجحدها ، ويكفر بها ، ويكذب. فهذا أنّى له الهدى ، وقد سد على نفسه الباب ، وعوقب بأن طبع الله على قلبه ، فهو لا يؤمن؟
[٤] أي : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) كما زعم ذلك من زعمه ، من سفهاء الخلق. (لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي : لا صطفى من مخلوقاته ، الذي يشاء اصطفاءه ، واختصه لنفسه ، وجعله بمنزلة الولد ، ولم يكن له حاجة إلى اتخاذ الصاحبة. (سُبْحانَهُ) أي : تنزه عمّا ظن به الكافرون ، أو نسبه إليه الملحدون. (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) أي : الواحد في ذاته ، وفي أسمائه ، وفي صفاته ، وفي أفعاله فلا شبيه له في شيء من ذلك ، ولا مماثل. فلو كان له ولد ، لاقتضى أن يكون شبيها له في وحدته ؛ لأنه بعضه ، وجزء منه. القهّار لجميع العالم ، العلوي والسفلي. فلو كان له ولد ، لم يكن مقهورا ، ولكان له إدلال على أبيه ، ومناسبة منه. ووحدته تعالى ، وقهره متلازمان. فالواحد لا يكون إلا قهارا ، والقهّار لا يكون إلا واحدا ، وذلك ينفي الشركة له من كلّ وجه.
[٥] يخبر تعالى أنه (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي : بالحكمة والمصلحة. وليأمر العباد وينهاهم ، ويثيبهم ويعاقبهم. (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) أي : يدخل كلّا منهما على الآخر ، ويحل محله فلا يجتمع هذا وهذا ، بل إذا أتى أحدهما ، انعزل الآخر عن سلطانه. (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) بتسخير منظم ، وسير مقنن. (كُلٌ) من الشمس والقمر (يَجْرِي) متأثرا عن تسخيره تعالى (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) وهو انقضاء هذه الدار وخرابها ، فيخرب الله آلاتها ، وشمسها ، وقمرها ، وينشىء الخلق نشأة جديدة ، ليستقروا في دار القرار ، الجنة ، أو النار. (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب ، القاهر لكل شيء ، الذي لا يستعصي عليه شيء. الذي من عزته ، أوجد هذه المخلوقات العظيمة ، وسخرها تجري بأمره. (الْغَفَّارُ) لذنوب عباده التوابين المؤمنين ، كما قال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٨٢). الغفار لمن أشرك به ، بعد ما رأى من آياته العظيمة ، ثمّ تاب وأناب.
[٦] ومن عزته أن (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) على كثرتكم وانتشاركم ، في أنحاء الأرض. (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) وذلك ليسكن إليها وتسكن إليه ، وتتم بذلك النعمة. (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) أي : خلقها بقدر نازل منه ، رحمة