أحد الملائكة المقربين ، وأحد حملة عرش الرحمن. (فَصَعِقَ) أي : غشي عليه أو مات ، على اختلاف القولين. (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي : كلهم ، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها ، وما يعلمون أنها مقدمة له. (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) ممن ثبّته الله عند النفخة ، فلم يصعق ، كالشهداء أو بعضهم ، وغيرهم. وهذه النفخة الأولى ، نفخة الصعق ، ونفخة الفزع. (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ) نفخة (أُخْرى) نفخة البعث (فَإِذا هُمْ قِيامٌ) أي : قد قاموا من قبورهم ، لبعثهم وحسابهم ، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح ، وشخصت أبصارهم (يَنْظُرُونَ) ماذا يفعل الله بهم.
[٦٩] (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) علم من هذا ، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضمحل ، وهو كذلك. فإن الله أخبر أن الشمس تكور ، والقمر يخسف ، والنجوم تنتشر ، ويكون الناس في ظلمة ، فتشرق الأرض عند ذلك بنور ربها ، عند ما يتجلّى وينزل للفصل بينهم. وفي ذلك اليوم يجعل الله للخلق قوة. وينشئهم نشأة ، يقوون على أن لا يحرقهم نوره ، ويتمكنون أيضا من رؤيته ، وإلا ، فنوره تعالى عظيم ، لو كشفه ، لأحرقت سبحات وجهه ، ما انتهى إليه بصره من خلقه. (وَوُضِعَ الْكِتابُ) أي : كتاب الأعمال وديوانه ، وضع ونشر ، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات ، كما قال تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤٩). ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤). (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ) ليسألوا عن التبليغ ، وعن أممهم ، ويشهدوا عليهم. (وَالشُّهَداءِ) من الملائكة ، وأعضاء الإنسان والأرض. (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) أي : العدل التام والقسط العظيم ؛ لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة ، ومن هو محيط بكل شيء. وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ ، محيط بكل ما عملوه. والحفظة الكرام ، والذين لا يعصون ربهم ، قد كتبت عليهم ما عملوه. وأعدل الشهداء ، قد شهدوا على ذلك الحكم. فحكم بذلك من يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب. فيحصل حكم يقر به الخلق ، ويعترفون لله بالحمد والعدل ، ويعرفون به من عظمته ، وعلمه ، وحكمته ورحمته ، ما لم يخطر بقلوبهم ، ولا تعبر عنه ألسنتهم ، ولهذا قال :
[٧٠] (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) (٧٠).
[٧١] لما ذكر تعالى حكمه بين عباده ، الذين جمعهم في خلقه ، ورزقه ، وتدبيره ، واجتماعهم في الدنيا ، واجتماعهم في موقف القيامة ، فرقهم تعالى عند جزائهم ، كما افترقوا في الدنيا بالإيمان والكفر ، والتقوى والفجور ، فقال : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ) أي : سوقا عنيفا ، يضربون بالسياط الموجعة ، من الزبانية الغلاظ الشداد ، إلى شر محبس ، وأفظع موضع ، وهي : جهنم التي قد جمعت كل عذاب ، وحضرها كل شقاء ، وزال عنها كل سرور ، كما قال تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) (١٣) أي : يدفعون إليها دفعا ، وذلك لامتناعهم من دخولها. ويساقون إليها (زُمَراً) أي : فرقا متفرقة ، كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها ، وتشاكل سعيها ،