بالإحسان ، حصل فائدة عظيمة. (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) أي : كأنه قريب شفيق.
[٣٥] (وَما يُلَقَّاها) أي : وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) نفوسهم على ما تكره ، وأجبروها على ما يحبه الله. فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه ، فكيف بالإحسان؟ فإذا صبر الإنسان نفسه ، وامتثل أمر ربه ، وعرف جزيل الثواب وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله ، لا تفيده شيئا ، ولا تزيد العداوة إلا شدة ، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره ، بل من تواضع لله رفعه ، هان عليه الأمر ، وفعل ذلك متلذذا مستحليا له. (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) لكونها من خصال خواص الخلق ، الّتي ينال بها العبد ، الرفعة في الدنيا والآخرة ، الّتي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق.
[٣٦] لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الإنس ، وهو مقابلة إساءته بالإحسان ، ذكر ما يدفع به العدو الجنّي ، وهو الاستعاذة بالله ، والاحتماء من شره فقال : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أي : أي وقت من الأوقات ، أحسست بشيء من نزغات الشيطان ، أي : من وساوسه ، وتزيينه للشر ، وتكسيله عن الخير ، وإصابة ببعض الذنوب ، وإطاعة له ببعض ما يأمر به (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي : اسأله ، مفتقرا إليه ، أن يعيذك ويعصمك منه. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فإنه يسمع قولك وتضرعك ، ويعلم حالك واضطرارك إلى عصمته وحمايته.
[٣٧] ثمّ ذكر تعالى أن (مِنْ آياتِهِ) الدالة على كمال قدرته ، ونفوذ مشيئته ، وسعة سلطانه ، ورحمته بعباده ، وأنه الله وحده لا شريك له (اللَّيْلُ وَالنَّهارُ) : هذا بمنفعة ضيائه ، وتصرف العباد فيه ، وهذا بمنفعة ظلمته ، وسكون الخلق فيه. (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) اللذان لا تستقيم معايش العباد ، ولا أبدانهم ، ولا أبدان حيواناتهم ، إلا بهما ، وبهما من المصالح ، ما لا يحصى عدده. (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) فإنهما مدبران مسخران مخلوقان. (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) ، أي : اعبدوه وحده ؛ لأنه الخالق العظيم ، ودعوا عبادة ما سواه ، من المخلوقات ، وإن كبر جرمها وكثرت مصالحها ، فإن ذلك ليس منها ، وإنّما هو من خالقها ، تبارك وتعالى : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فخصوه بالعبادة وإخلاص الدين له.
[٣٨] (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا) عن عبادة الله تعالى ، ولم ينقادوا لها ، فإنهم لن يضروا الله شيئا ، والله غني عنهم ، وله عباد مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون. ولهذا قال : (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) يعني : الملائكة المقربين (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) أي : لا يملون من عبادته ، لقوتهم ، وشدة الداعي القوي منهم إلى ذلك.
[٣٩] (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على كمال قدرته ، وانفراده بالملك والتدبير والوحدانية. (أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) لا نبات فيها (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) أي : المطر (اهْتَزَّتْ) أي : تحركت بالنبات (وَرَبَتْ) ثمّ : أنبتت من كل زوج بهيج ، فحيي بها العباد والبلاد. (إِنَّ الَّذِي أَحْياها) بعد موتها وهمودها ، (لَمُحْيِ الْمَوْتى) من قبورهم إلى يوم بعثهم ، فنشورهم (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فكما لم تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها ، لا تعجز عن إحياء الموتى.
[٤٠] الإلحاد في آيات الله : الميل بها عن الصواب ، بأي وجه كان : إما بإنكارها وجحودها ، وتكذيب من جاء